هل تخيلت يوماً أن يتهدد سقف بيتك الذي يؤويك ويجمع أسرتك، لا بسبب زلزال أو كارثة طبيعية، بل بفعل ما تصفه الأيادي البشرية بـ “مخالفة صارخة”؟ هذا ليس مشهداً من فيلم، بل واقع مرير يعيشه يومياً سكان أحد العقارات السكنية بمدينة القناطر الخيرية، حيث باتت الشروخ والتصدعات جداريات صامتة تحكي قصة خطر وشيك يحدق بحياة أكثر من ثلاث وثلاثين أسرة. الخوف، يا سيدي، ليس فقط من الانهيار، بل من الشعور بالعجز والانتظار، انتظار تدخل قد يأتي وقد لا يأتي، بينما الزمن يتآكل مع جدران البيت.

في قلب التقسيم السياحي الهادئ، تحديداً أمام شركة الكهرباء بمدينة القناطر الخيرية، يقف عقار رقم 122 شامخاً، شاهداً على سنوات من الحياة المستقرة. لكن خلف واجهته التي بدأت تتشقق، تتراكم مخاوف جمة، وتحت كل سقف تتضاعف الأرقام: أكثر من 33 أسرة، أطفال ونساء ورجال، يعيشون تحت رحمة وضع قد يتطور إلى مأساة حقيقية في أي لحظة. هذا المبنى، الذي كان من المفترض أن يكون ملاذاً آمناً لسكانه، تحول إلى بؤرة قلق مستمر، وذلك بسبب سلسلة من الإجراءات غير القانونية التي استهدفت أجزاء منه، وحوّلتها إلى بؤرة تهديد وجودي.

تكمن جذور الأزمة في الدور الأرضي للعقار، حيث يوجد محل لبيع الأدوات الصحية والسباكة. ما حدث، وبشكل يثير الاستغراب والاستياء، هو أن هذا المحل تجاوز حدود المسموح به بكثير، وبطريقة غريبة جداً، تخالف كل الأعراف والقوانين. بدلاً من يافطة عادية ومتناسبة مع حجم المحل وطبيعة العقار، قام أصحاب المحل بتركيب لافتة إعلانية ضخمة، لدرجة أنها امتدت رأسياً لتصل إلى الطابق الثالث! يا جماعة، اللافتة دي مش مجرد إعلان صغير ولا يافطة عادية، دي حاجة عملاقة، وكأنها بتقول: “أنا هنا، والمبنى ملكي!”، في حين أن العقار بالكامل، من أساسه، مخصص للسكن وليس للنشاط التجاري بهذا الحجم الذي يستهلك مساحة ضخمة من واجهته.

المشكلة ليست في مجرد المظهر الجمالي أو مخالفة التنظيم العمراني فحسب، بل إنها تتعدى ذلك لتصل إلى صميم السلامة الإنشائية للعقار بأكمله. فالوزن الهائل لهذه اللافتة، والضغوط التي تسببت بها على هيكل المبنى على مدى فترة زمنية غير قصيرة، بدأت تظهر نتائجها الكارثية بوضوح. السكان يشيرون إلى شروخ وتصدعات واضحة، لا يمكن تجاهلها، بدأت تظهر على الواجهة الرئيسية للعقار. تخيل معي، بيت كامل عايش فيه عشرات الأسر، والجدران بتاعته بتصرخ من التعب، وتشير بأصابع الاتهام إلى هذا الحمل الزائد! ده مش مجرد تشققات سطحية يمكن تجاهلها، بل هي تهديدات حقيقية للسلامة الإنشائية، وكأن العقار بيتآكل ببطء، مهدداً بالانهيار في أي لحظة، لا قدر الله.

لم يقف الأهالي مكتوفي الأيدي أمام هذا الخطر المتزايد الذي يحدق بهم وبأطفالهم. بل سارعوا إلى طرق أبواب المسؤولين مراراً وتكراراً، رافعين صوتهم بالاستغاثة العاجلة، أملاً في أن يجدوا من يستمع إليهم قبل فوات الأوان. وجهوا نداءات متكررة لمحافظة القليوبية، ولرئاسة حي القناطر الخيرية، بل وحتى لجهاز التفتيش الفني على المباني. مطلبهم الأساسي كان واضحاً ومباشراً لا لبس فيه: إرسال لجنة فنية عاجلة لمعاينة العقار على الطبيعة، وتقييم حجم الخطر، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لإزالة هذه المخالفة التي باتت سيفاً مسلطاً على رقابهم، وتسبب لهم قلقاً لا ينتهي مع كل شروق شمس.

والأهم من ذلك، أن الأهالي أكدوا بوضوح أنهم ليسوا ضد النشاط التجاري المشروع بأي شكل من الأشكال. بصراحة، مين فينا يقدر يعيش من غير محلات وخدمات ضرورية بتسهل حياتنا اليومية؟ لكنهم في الوقت نفسه يرفضون رفضاً قاطعاً أي تجاوزات قد تؤثر سلباً على سلامة الأرواح والممتلكات. الأمر لا يتعلق بمكاسب تجارية أو نزاعات شخصية، بل بقيمة الحياة البشرية التي لا تقدر بثمن، وبحقهم الأساسي في الشعور بالأمان داخل منازلهم. يعني من الآخر، الموضوع كله سلامة الناس اللي عايشة في المبنى، دي أولى من أي مكسب مادي.

هذه الحادثة لا تقتصر على كونها مشكلة فردية في عقار واحد بمدينة صغيرة، بل تطرح تساؤلات أعمق وأوسع نطاقاً حول آليات الرقابة والتفتيش على المباني في مدننا وقرانا. كم من العقارات الأخرى قد تكون تعاني من مخالفات مماثلة، سواء في الواجهات أو الأساسات، وتهدد حياة سكانها دون أن يعلم أحد أو تتحرك الأجهزة المعنية؟ هل نحتاج لكارثة حقيقية كي نتحرك بجدية ونعيد النظر في منظومة التراخيص والمتابعة؟ أليس من حق كل مواطن أن ينعم بالأمن والاطمئنان في مسكنه، دون أن يعيش تحت هاجس الخوف من الانهيار؟ هذه المخالفات، وإن بدت بسيطة في بدايتها، قد تتحول إلى كوارث كبرى تدفع فاتورتها أرواح بريئة، وخسائر لا يمكن تعويضها.

إن الاستجابة السريعة لمثل هذه الاستغاثات ليست مجرد واجب إداري يمكن تأجيله، بل هي التزام أخلاقي وإنساني بحماية الأرواح والممتلكات، وهي مسؤولية تقع على عاتق كل من يتولى أمراً عاماً. ينتظر سكان عقار 122 بفارغ الصبر أن تمتد إليهم يد العون، وأن يتم تدارك الخطر قبل فوات الأوان. فهل سيجد صدى صراخهم الآمل آذاناً صاغية وقلوباً واعية تتحرك فوراً، أم سيُترك مصير ثلاث وثلاثين أسرة معلقاً على خيوط من الخطر واللامبالاة؟ يا رب، نتمنى إن المسؤولين يتحركوا بسرعة قبل ما تحصل مصيبة محدش يتوقعها، لأن الثمن سيكون غالياً جداً.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.