هل فكرت يومًا ما الذي يدفع عجلات الاقتصاد العالمي اليوم؟ ما هي القوة الخفية التي تستطيع تحريك مليارات الدولارات في لمح البصر، وتحوّل أسواقًا بأكملها؟ لو سألت أي مستثمر أو محلل مالي هذه الأيام، فالإجابة غالبًا ما ستكون واحدة: الذكاء الاصطناعي. تلك التقنية التي كانت تُعد خيالًا علميًا بالأمس، أصبحت الآن المحرك الأساسي لأحد أضخم الارتفاعات في أسواق الأسهم الناشئة، دافعةً إياها لتسجيل أعلى مستوياتها منذ عام 2021.
على مدى أربعة أيام متتالية، شهدت أسواق الأسهم في الاقتصادات النامية موجة صعود قوية، مدفوعةً بتفاؤل جامح تجاه مستقبل الذكاء الاصطناعي. التفاؤل ده مش جاي من فراغ، بصراحة، له أسبابه القوية. مؤشر “إم إس سي آي” للأسهم في الأسواق الناشئة، وهو مؤشر رئيسي يتتبع أداء هذه الأسواق، ارتفع بنسبة ملحوظة وصلت إلى 1.5% خلال جلسة التداول الأخيرة. هذا الصعود لم يكن عشوائياً، بل كان له قاطرته الواضحة: أسهم عمالقة التكنولوجيا. تخيل إن شركات بحجم “تايوان لتصنيع أشباه الموصلات” (TSMC)، و”مجموعة علي بابا القابضة”، و”تينسنت هولدينغز” كانت في صدارة هذا المشهد، مدعمةً هذا الارتفاع القياسي.
المحرك الأكبر لكل هذا الحماس، أو يمكن نقول الشعلة اللي ولّعت الشرارة، كانت صفقة بيع أسهم ضخمة لشركة “أوبن إيه آي” (OpenAI)، صانعة “تشات جي بي تي” (ChatGPT) المعروف. الموضوع ده قلب موازين كتير. فالشركة، التي باتت اسمًا على كل لسان، قفزت قيمتها السوقية إلى 500 مليار دولار، بعد أن كانت عند 300 مليار دولار فقط. يعني بصراحة، ده مبلغ مش قليل خالص! والأكثر إثارة، أن موظفين حاليين وسابقين في الشركة جنوا ما يقارب 6.6 مليار دولار من وراء بيع أسهمهم، وده بيوضح حجم الثروة اللي بتُخلق في القطاع ده. ولم تتوقف “أوبن إيه آي” عند هذا الحد، بل أبرمت اتفاقيات مهمة مع شركات كورية جنوبية لتصنيع الرقائق، لدعم مشروعها الطموح المعروف باسم “ستارغيت”، وهو ما عزز من الإيمان بقدرات الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المستقبلية.
طب ليه المستثمرين متحمسين كده؟ الأمر لا يقتصر فقط على صفقات عمالقة التكنولوجيا. راجيف دي ميلو، مدير المحفظة العالمية لأصول الاقتصاد الكلي في “غاما أسيت مانجمنت”، بيشرح لنا الوضع. بيقول إن المستثمرين “مسحورون تماماً بموضوع الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا”. ويضيف أن جهود التيسير النقدي من جانب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بتقديم سياسات مالية مرنة، لعبت دورًا داعمًا لشركات التكنولوجيا. ومع اقتراب نهاية العام، بدأ المستثمرون الأكثر حذرًا في تعزيز مراكزهم الاستثمارية التي كانت منخفضة الوزن، مستغلين هذه الموجة الصعودية. يعني بالبلدي كده، اللي كان خايف يدخل السوق من فترة، دلوقتي بيحاول يلحق قطار الأرباح.
لكن هل كل شيء وردي؟ طبعاً لا. مارك بيندشادلر، المتخصص في أسهم الأسواق الناشئة لدى “فونتوبل أسيت مانجمنت”، بيقدم لنا منظور أوسع. بيشير إلى أن الصين لا تزال في بداية دورة استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، مما يعني أن هناك فرصًا هائلة للنمو هناك. وأكد أن الاهتمام بأسهم الأسواق الناشئة يعود للواجهة بقوة بعد سنوات من التراجع. لكنه لم يتردد في توجيه تحذير مهم، وقال إن موجات الصعود المدفوعة بهذا الحماس قد تكون عرضة لتراجعات كبيرة. يعني يا جماعة، مفيش حاجة بتطلع لفوق على طول، لازم فيه مطبات.
وبينما كانت الأسهم تحتفل بانتصاراتها، فإن مشهد العملات في الأسواق الناشئة كان مختلفًا بعض الشيء، حيث بقي المؤشر الذي يتتبعها دون تغيير يُذكر. ورغم ذلك، برزت بعض العملات بأداء لافت، فقد قادت عملات بولندا ورومانيا المكاسب في الأسواق الناشئة، وده بيبين إن مش كل العملات زي بعضها. على الجانب الآخر، كانت الليرة التركية هي الأضعف مقارنة بنظيراتها، لدرجة إن البنوك الحكومية في تركيا اضطرت تبيع 5 مليارات دولار للدفاع عنها، ودي قصة تانية خالص لوحدها. أما في سوق السندات، فكانت السندات المقومة بالدولار لكل من موزمبيق وغانا بين الأفضل أداءً، مما يعكس ثقة المستثمرين في بعض اقتصادات هذه الدول.
وفي خضم هذه التحولات، كانت هناك نصيحة من “سيتي غروب” بخصوص الراند الجنوب أفريقي. فقد أوصى محللو البنك بجني الأرباح من موجة صعود الراند. ليه؟ لأنهم بيشوفوا إن الراند حقق أداءً جيداً نسبياً بالنظر للظروف المحلية المعقدة اللي بيمر بيها. وبيقولوا إن أثر إغلاق الحكومة الأميركية انعكس على أسواقهم في صورة قوة إضافية لعملات الأسواق الناشئة، ومنها الراند. صحيح نصيحتهم كانت تكتيكية لجني الأرباح دلوقتي، بس وجهة نظرهم الأساسية والمتوسطة الأجل عن العملة ما زالت إيجابية.
في النهاية، يبدو أن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد كلمة رنانة تتردد في الأروقة التقنية، بل أصبح قوة اقتصادية حقيقية قادرة على إعادة تشكيل المشهد المالي العالمي. هل نحن على أعتاب عصر جديد من النمو والابتكار، حيث تتجاوز التكنولوجيا كل التوقعات؟ أم أن هذا الارتفاع مجرد فقاعة أخرى، تنتظر اللحظة المناسبة لتنتهي؟ هذا ما ستكشفه الأيام والأسابيع القادمة، ولكن المؤكد أننا نعيش حاليًا في قلب تحول اقتصادي هائل، يقوده عقل اصطناعي تتزايد قوته يوماً بعد يوم. فهل أنت مستعد لهذه الرحلة؟