تصوّر للحظة أن حياتك اليومية مرهونة بتقلبات التيار الكهربائي؛ دفء منزلك في الشتاء، إضاءة غرفتك في الليل، وحتى القدرة على التواصل مع العالم الخارجي. هذا ليس مجرد سيناريو خيالي، بل هو واقع مرير عاشه الملايين في سوريا لسنوات طويلة، حيث بات الحصول على الطاقة حلماً بعيد المنال. لكن هل بدأت شمس الأمل تشرق أخيراً على قطاع الطاقة هناك؟ يبدو أن الجيران الأشقاء، وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، قد عقدوا العزم على مد يد العون لإنارة هذا الدرب المظلم، عبر خطة طموحة لا تقتصر على المساعدات العاجلة، بل تمتد لبناء مستقبل مستدام.

الوضع كان محتاج تحرك جاد، مش مجرد حلول مؤقتة تسكّن الألم لوقت قصير. فهد بن جمعة، الخبير الاقتصادي المرموق والعضو السابق في لجنة الاقتصاد والطاقة بمجلس الشورى السعودي، أكد في مقابلة حصرية مع “الشرق” على نقطة جوهرية لا يمكن تجاوزها: سوريا بحاجة ماسة لاستراتيجية واضحة المعالم، وخطة عمل ممنهجة لإعادة تأهيل بنيتها التحتية للطاقة من الألف إلى الياء. يعني من الآخر كده، مش معقول بلد بحجم سوريا تعيش على أمل إن الكهرباء تيجي شوية وتفصل تاني. لازم يكون فيه خطة محكمة، تؤمّن استقرار إمدادات الوقود والكهرباء على المدى الطويل، وهذا بالضبط ما تسعى له المملكة في دعمها الحالي.

المملكة، وبخطوات عملية تتجاوز مجرد الوعود، بدأت في ترجمة هذا الدعم على أرض الواقع. الخطوة الأبرز هي السعي لتشكيل لجنة مشتركة تضم نخبة من الخبراء السعوديين والسوريين، بالتعاون مع عملاق النفط العالمي، أرامكو السعودية. الهدف من هذه اللجنة؟ تأسيس شركة قابضة للطاقة، تكون مملوكة بالكامل للصندوق السيادي السوري. يا ترى، هل تخيلت يوماً أن سوريا قد تمتلك كياناً عملاقاً يضاهي في هيكله الإداري والتشغيلي إحدى أكبر شركات الطاقة في العالم؟ هذا الحلم بدأ يتجسد. مش بس كده، السعودية كمان قدمت منحة سخية وغير مشروطة، بلغت 1.65 مليون برميل من البترول الخام، ودي طبعًا دفعة قوية ومهمة جداً، بتساعد على تخفيف الضغط الفوري على موارد الطاقة.

المسؤولون السوريون، من جانبهم، أبدوا رغبة واضحة في الاستفادة القصوى من هذه الشراكة الاستراتيجية. ونقلت صحيفة “الاقتصادية” عن مسؤول رفيع بوزارة الطاقة السورية تأكيده على طلب دمج خبراء تقنيين وإداريين من أرامكو ضمن اللجنة المشتركة. كأنهم بيقولوا: “علمونا الصنعة صح، من الألف للياء، وعايزين خبرتكم الطويلة”. الهدف هو بناء شركة قابضة على غرار النموذج الهيكلي المتميز لأرامكو السعودية، مع إدخال تعديلات بسيطة لتتناسب مع الخصوصية المحلية للحقول النفطية السورية. يا جماعة، إيه الأهمية هنا؟ مش مجرد شركة وخلاص، لأ، دي عملية لإعادة بناء قطاع كامل، وتقليل البيروقراطية اللي كانت عاملة زي كابوس بيعيق أي تقدم، وزيادة الكفاءة التشغيلية والمالية بعد سنوات طويلة من التحديات الهائلة والمعوقات التي شلّت القطاع.

لكن، هل كل ده معناه إن الفلوس والاستثمارات هتتدفق بشكل فوري وبلا قيود؟ مش بالظبط. فهد بن جمعة أوضح أن الاستثمارات السعودية المباشرة في قطاع الطاقة السوري تنتظر نقطة حاسمة: استقرار الأوضاع السياسية والأمنية على الأرض. وده منطقي جداً. ما هو مين اللي هيخاطر بضخ مليارات الدولارات في بيئة غير مستقرة وغير آمنة؟ صحيح النوايا طيبة والخطوات جادة ومدروسة، لكن أرض الواقع لها حساباتها ومعاييرها الخاصة التي لا يمكن تجاهلها.

وبعيداً عن التخطيط الاستراتيجي طويل الأمد، شهد شهر أغسطس الماضي تحركات عملية وملموسة تبعث على التفاؤل. على هامش مشاركة المملكة في معرض دمشق الدولي – وده في حد ذاته حدث له دلالات سياسية واقتصادية قوية – وقعت شركات سعودية اتفاقية تاريخية وست مذكرات تفاهم مع وزارة الطاقة السورية. تخيل معايا كده: وفد سعودي كبير بيشارك في معرض بدمشق، ده في حد ذاته رسالة قوية تؤكد على انفتاح الأبواب. الاتفاقية الأساسية كانت بين شركة “أكوا باور” الرائدة عالمياً في مجال الطاقة، والوزارة السورية، لإجراء الدراسات اللازمة لتطوير مشروعات في مجال الطاقة المتجددة. يعني مش بس نفط وغاز، لأ، ده فيه نظرة للمستقبل والطاقة النظيفة، وده تفكير استراتيجي بصراحة.

أما مذكرات التفاهم الست، فكانت بمثابة خارطة طريق شاملة للتعاون المستقبلي، غطت مجالات حيوية ومتنوعة، من أبرزها: استكشاف وتطوير حقول الغاز القائمة وحفر الآبار، وهي نقطة حاسمة لتأمين إمدادات الغاز. ولم يقتصر الأمر على الاستخراج، بل شمل أيضاً معالجة الغاز الطبيعي وتحويله إلى طاقة، وهو ما يضيف قيمة اقتصادية هائلة للموارد المحلية. كمان، الاتفاقات دي شملت تنفيذ مسوح جيوفيزيائية وجيولوجية متقدمة وجمع بيانات زلزالية، وده أساس أي تخطيط مستقبلي للموارد. والأهم يمكن كان البحث والتطوير في علوم الأرض والدراسات الجيولوجية، بالإضافة إلى بناء القدرات السورية من خلال نقل الخبرات والتقنية المتطورة. يعني باختصار، دعم شامل للقطاع من الألف للياء، مش بس نساعدهم، لكن نديهم الأدوات والمعرفة اللي يشتغلوا بيها صح ويبنوا عليها.

وقبل كل هذه الاتفاقيات والمذكرات التفصيلية، كانت هناك خطوة تأسيسية مهمة جرت في أواخر يوليو الماضي، عندما وقع وزيرا الطاقة في البلدين مذكرة تفاهم في الرياض. هذه المذكرة كانت بمثابة الإطار العام لتشجيع التعاون في مجالات واسعة تشمل البترول والغاز، والبتروكيماويات، والكهرباء والربط الكهربائي، وحتى الطاقة المتجددة. يعني الموضوع مش وليد اللحظة، ده كان بناء على أساس قوي ورؤية مشتركة أوسع بكثير، تؤكد على عمق العلاقة والرغبة في التعاون الشامل.

إذن، هل يمكن أن نقول إننا نشهد فصلاً جديداً في تاريخ الطاقة السورية؟ هل بدأت رحلة العودة إلى النور والاستقرار تتبلور؟ بالتأكيد، التحديات لا تزال قائمة، وخصوصاً فيما يتعلق بالاستقرار السياسي والأمني الذي يعتبر حجر الزاوية لأي استثمار طويل الأمد وواسع النطاق. لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن هناك إرادة حقيقية، ودعماً ملموساً من أشقاء سوريا، ليس فقط لتقديم المساعدات، بل لمساعدة سوريا على الوقوف على قدميها مجدداً وبناء قطاع طاقة مستدام وفعّال يعتمد على أحدث الخبرات العالمية. هذا التحرك لا يمثل مجرد إنقاذ لقطاع حيوي، بل هو بصيص أمل لملايين السوريين الذين طال انتظارهم للعودة إلى حياة كريمة، حيث لا يصبح انقطاع التيار الكهربائي كابوساً يومياً، وحيث يمكنهم أخيراً التطلع إلى مستقبل أكثر إشراقاً. هل ستنجح هذه الجهود في تحقيق استقرار طويل الأمد؟ الأيام وحدها ستكشف ذلك، ولكن البداية تبدو واعدة، وخطواتها تزرع بذور الأمل في أرض عطشى تنتظر الغيث بعد سنوات من الجفاف.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.