في قلب المشهد الاقتصادي الليبي المتقلب، حيث تتراقص العملات على إيقاع التحديات اليومية، يظل سعر الدولار الأميركي في السوق الموازية محور أحاديث الناس وقلقهم الدائم. وبينما يترقب الكثيرون كل صباح مؤشرات الصرافة غير الرسمية، يبدو أن يوم الثلاثاء، الثالث والعشرين من سبتمبر لعام 2025، قد حمل معه هدوءًا نسبيًا في سعر العملة الخضراء، هدوءٌ يخفي وراءه تحركات رسمية عميقة تسعى لإعادة ترتيب الأوراق النقدية في البلاد.

لكن هل هذا الهدوء مؤشر على استقرار قادم، أم أنه مجرد ارتباك مؤقت في دوامة تداعيات السياسات النقدية؟ هذا هو السؤال الذي يطرحه كل تاجر ومواطن ليبي يرى في جيبه انعكاسًا مباشرًا لهذه التغيرات. ففي الوقت الذي حافظ فيه الدولار على مستويات منخفضة في السوق السوداء، تتصاعد وتيرة سحب المصرف المركزي الليبي لبعض الفئات النقدية من التداول، وهي خطوات كان لها صدى واسع في حجم السيولة المتوفرة في الأسواق، وكأن البلاد تمر بحالة “جفاف مالي” خفيف.

فلنبدأ من حيث بدأت شمس هذا اليوم. عند افتتاح التعاملات الصباحية، استقر سعر الدولار الأميركي في السوق الموازية عند مستوى 7.41 دنانير ليبية. هذا الرقم، للوهلة الأولى، قد يبدو جيدًا نسبيًا مقارنة ببعض الأوقات العصيبة التي مرت بها البلاد، لكن الأمر ليس بهذه البساطة. يقول لك الناس: “بصراحة كده، الطلب نفسه قل، فالأسعار بتنزل غصب عنها”. وهذا بالضبط ما أظهرته المؤشرات، تراجع ملحوظ في حركة الطلب، وهو ما يفسر جزئيًا هذا الثبات النسبي.

وعلى الجانب الآخر، نجد الصورة الرسمية التي يقدمها مصرف ليبيا المركزي، وهي صورة مختلفة تمامًا. متوسط سعر الدولار في البنوك الرسمية سجل 5.40 دنانير، مع سعر بيع عند 5.41 دنانير وسعر شراء عند 5.39 دنانير. هنا، تظهر الهوة واضحة بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية، وهو فارق لا يزال يشكل تحديًا كبيرًا للاقتصاد الليبي. ولزيادة تعقيد المشهد، يستمر المصرف المركزي بفرض ضريبة قدرها 15% على جميع معاملات بيع العملة الأجنبية. تخيل معي، هل هذا الإجراء يحقق العدالة المطلوبة في سوق يعاني من ازدواجية الأسعار؟ تساؤل مشروع يتردد في أروقة التجارة والشؤون المالية.

توقعات اليوم لم تكن تحمل مفاجآت جذرية؛ فمؤشرات التداول تشير إلى أن سعر الدولار في السوق السوداء سيستمر في التقلب ضمن نطاق ضيق، ما بين 7.40 و7.50 دينار ليبي. والسبب الجوهري وراء هذا الاستقرار المشوب بالحذر هو النقص المستمر في السيولة النقدية. هذا النقص، يا صديقي، هو ما يعرقل حركة البيع والشراء بشكل عام، ويجعل الكثير من المعاملات تتوقف أو تتم بصعوبة بالغة. والقصة كلها، زي ما بيقولوا، تبدأ من عند المصرف المركزي.

فالجهات الرسمية، في سعيها لمعالجة هذه المشكلة، تحاول جاهدة ضخ كميات جديدة من العملة لتعويض العجز الناتج عن سحب بعض الفئات النقدية من الأسواق. ولعل أبرز هذه الفئات التي تم سحبها بالفعل هي ورقتي الخمسة والعشرين دينارًا. ولكن هذا ليس كل شيء. ففي خطوة جديدة ومترقبة، يعتزم مصرف ليبيا المركزي سحب الورقة النقدية القديمة من فئة العشرة دنانير، تلك التي اشتهرت بـ “العشرة الخضراء”. هذه الخطوة تأتي ضمن برنامج أشمل وأكثر اتساعًا يهدف إلى استبدال العملات التالفة والمتهالكة، والتي أصبحت تشكل عبئًا على التعاملات اليومية. فمن منا لم يجد نفسه يتعامل بأوراق نقدية شبه ممزقة أو باهتة اللون؟

المصرف المركزي يبحث حاليًا عن الآلية الأمثل لتنفيذ عملية سحب “العشرة الخضراء”، مؤكدًا أن الإعلان عن الموعد الرسمي سيتم لاحقًا. والحقيقة، أنهم تعلموا الدرس من العمليات السابقة. فالهدف الرئيسي هذه المرة هو طرح النسخة الجديدة من فئة العشرة دنانير أولًا وقبل سحب القديمة، وذلك لتفادي أزمة سيولة مماثلة لتلك التي رافقت عمليات السحب الجارية حاليًا. وهي خطوة حكيمة، بصراحة كده، لتجنب المزيد من الارتباك في الأسواق.

ولمن يهمه الأمر وتفاصيل الأسعار، دعني أشاركك بعض الأرقام في السوق الموازية لهذا اليوم:
* 1 دولار أميركي يعادل 7.41 دنانير ليبية.
* 5 دولارات أميركية تقف عند 37 دينارًا ليبيًا.
* 100 دولار أميركي تُصرف مقابل 741 دينارًا ليبيًا.
* وإذا كنت بحاجة إلى 1000 دولار أميركي، فستدفع 7,410 دنانير ليبية.
* أما المبالغ الأكبر، فـ 10 آلاف دولار أميركي تعادل 74,100 دينار ليبي.

بالإضافة إلى الدولار، يقدم المصرف المركزي أسعار صرف لعملات أجنبية أخرى داخل الجهاز المصرفي، وذلك لمن يسعى للتعامل عبر القنوات الرسمية:
* اليورو: 6.34 دنانير ليبية.
* الجنيه الإسترليني: 7.28 دنانير ليبية.
* الريال السعودي: 1.44 دينار ليبي.
* الدرهم الإماراتي: 1.47 دينار ليبي.
* الدولار الكندي: 3.91 دنانير ليبية.
* الفرنك السويسري: 6.79 دنانير ليبية.
* الدينار التونسي: 1.86 دينار ليبي.
* الدرهم المغربي: 0.59 دينار ليبي.

في الختام، يبدو أن ليبيا تمر بمرحلة دقيقة من إعادة تنظيم البيت النقدي. هذه التحركات، وإن كانت ضرورية لمكافحة التلف والتهالك في العملة، إلا أنها تلقي بظلالها على الحياة اليومية للمواطن العادي والتاجر الصغير. هل ستنجح هذه الإجراءات في تحقيق الاستقرار المنشود وتقليص الفجوة بين السوقين الرسمي والموازي؟ أم أنها ستزيد من تعقيدات المشهد الاقتصادي وتجعل الوصول للسيولة النقدية تحديًا أكبر؟ الإجابة، كالعادة، تكمن في قادم الأيام وفي مدى نجاح المصرف المركزي في إدارة هذه التحديات بحنكة وشفافية. فالعملة ليست مجرد أرقام مطبوعة على ورق، بل هي شريان الحياة لكل فرد في هذا الوطن.

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.