في زمن تتلاطم فيه أمواج الاقتصاد العالمي، وتتبدل خارطة الاستثمار يوماً بعد يوم، تبرز بعض الواحات الهادئة التي تجذب رؤوس الأموال كالمغناطيس. ومصر، بعبق تاريخها ودفء شعبها، تبدو اليوم إحدى هذه الواحات الساحرة في أعين الأثرياء من شتى بقاع الأرض، وخاصة من جيراننا في الإمارات. فهل الأمر مجرد صدفة أم أن هناك قصة أعمق تدور خلف الأرقام؟

مؤخراً، كشف استطلاع رأي أجرته شركة «نايت فرانك» العالمية للاستشارات العقارية، بالتعاون مع «يوغوف»، عن أرقام مثيرة للانتباه، ترسم ملامح جديدة للتدفقات الاستثمارية في السوق العقاري المصري. تخيل مثلاً، أن أثرياء دولة الإمارات العربية المتحدة وحدهم يخططون لضخ ما يقارب 709 ملايين دولار، أو ما يعادل 2.6 مليار درهم إماراتي، لشراء عقارات في بلد النيل! المبلغ ده، بصراحة، مش رقم قليل أبداً، وده مؤشر واضح على ثقة كبيرة في الاقتصاد المصري وإمكانياته الواعدة.

هذا التوجه الاستثماري، كما أوضح الاستطلاع، يعكس رغبة في بناء محافظ استثمارية قوية ومتنوعة. فالأثرياء لا ينظرون إلى العقار كوسيلة للترفيه فحسب، بل كأداة لتحقيق عوائد مجزية وقيمة مضافة على المدى الطويل. اللافت أن تفضيلات هؤلاء المستثمرين تتباين بشكل كبير؛ فبينما يبحث البعض عن منازل فاخرة غاية في الرفاهية، يتجه آخرون نحو فرص عقارية أسعارها أكثر ملاءمة. يعني، مش كل الأغنياء زي بعض، كل واحد وليه اللي يناسبه وميزانيته، لكن الشيء المشترك هو الثقة في السوق المصري.

القصة لا تتوقف عند أثرياء الإمارات فقط، وإن كانوا يمثلون نسبة كبيرة، حوالي 30% من إجمالي المتطلعين للاستثمار في العقارات المصرية. فالخارطة تتسع لتشمل جنسيات أخرى حاضرة بقوة، وعلى رأسها الألمان الذين يأتون في المرتبة الثانية بنسبة 20%، وهو ما قد يمثل مفاجأة للبعض. ولو نظرنا إلى متوسط الميزانيات المخصصة للشراء، نجد الألمان يتصدرون القائمة بمتوسط مذهل يبلغ 17.7 مليون دولار، يليهم الإماراتيون بمتوسط 16.2 مليون دولار، ثم السعوديون بـ 9.4 مليون دولار. أما أثرياء المملكة المتحدة، فيخصصون حوالي خمسة ملايين دولار، بينما يميل المستثمرون من الولايات المتحدة إلى تخصيص مبالغ أقل نسبياً، بمتوسط 400 ألف دولار. هذه الأرقام جميعها تؤكد أن السوق المصري جاذب لأطياف واسعة من المستثمرين، من أصحاب الثروات الكبيرة جداً إلى من يبحث عن فرصة استثمارية جيدة.

لكن ما الذي يستهوي هؤلاء الأثرياء في السوق العقاري المصري تحديداً؟ الاستطلاع كشف بوضوح أن القطاع السكني هو الهدف الأول والأهم، خصوصاً لأثرياء الإمارات والسعودية، حيث يفضل 61% منهم الاستثمار فيه. وده مش غريب أبداً، مين فينا مبيحلمش ببيت على النيل أو شاليه على البحر؟ بعد القطاع السكني، يأتي سوق المكاتب في المرتبة الثانية بنسبة 49%، مما يشير إلى اهتمام بالجانب التجاري والاستثماري المباشر، ثم الإقامات المميزة، أو ما يُعرف بـ “branded residences”، وهي الوحدات السكنية التي تحمل علامات تجارية عالمية أو تابعة لمطورين كبار، بنسبة 45%. الجدير بالذكر أن أثرياء الإمارات والسعودية الذين تتجاوز ثرواتهم 10 ملايين دولار، يميلون بشكل خاص إلى الوحدات السكنية ذات العلامات التجارية العالمية، بنسبة 60% منهم. أما من تتراوح ثرواتهم بين 500 ألف ومليون دولار، أو بين مليونين وخمسة ملايين دولار، فهم يفضلون الاستثمار في القطاع السكني عموماً، بغض النظر عن العلامة التجارية.

بصراحة، مش هتلاقي زخم عقاري زي اللي بنشوفه في القاهرة الكبرى اليومين دول. السوق هناك يسير بخطوات واثقة، مدفوعاً بثقة قوية من المطورين الذين يضخون استثمارات ضخمة، وبالتوازي مع برامج التمويل العقاري الجذابة التي تسهل على المشترين امتلاك أحلامهم. أينما تولِّ وجهك في القاهرة، ستجد مشاريع جديدة تنبض بالحياة، وهو شيء مطمئن جداً ويعكس حيوية السوق. حالياً، يوجد حوالي 244 ألف وحدة معروضة للبيع ضمن 155 مشروعاً مختلفاً، وهذا رقم كبير يبرز حجم التطور الذي تشهده العاصمة المصرية. «نايت فرانك» تتوقع أيضاً تسليم 30.83 ألف وحدة سكنية جديدة في عام 2025، وهي زيادة محترمة بنسبة 29% مقارنة بـ 24 ألف وحدة سُلمت في عام 2024. يعني، السوق مش بس بيتحرك، ده بيجري حرفياً.

لكن هناك عامل جذب آخر يلعب دوراً محورياً في استقطاب هذه الاستثمارات، وهو العقارات الساحلية. آه، البحر الأحمر والمتوسط بسحرهم الخاص! الاستطلاع يشير إلى أن حوالي 51% من هؤلاء المشترين يخططون لاستخدام هذه العقارات كمنازل ثانية أو كأماكن لقضاء العطلات والإجازات. وهذا منطقي جداً، مين فينا ميتمنّاش يكون عنده مكان خاص بيه على البحر يهرب إليه من زحمة الحياة وروتينها؟ هذه النسبة، على فكرة، تزيد كلما ارتفعت الثروة؛ فأصحاب الثروات التي تتجاوز 10 ملايين دولار، يرى 53% منهم العقارات الساحلية كمنزل ثانٍ، وتصل النسبة إلى 60% بين من تتراوح ثرواتهم بين مليون ومليوني دولار. وهذا يؤكد أن السواحل المصرية، بجمالها الخلاب ومناخها المعتدل، لا تنافس عالمياً فحسب، بل إنها تكسب الرهان في جذب كبار المستثمرين الباحثين عن الرفاهية والهدوء.

في النهاية، الأرقام والإحصائيات هذه ليست مجرد بيانات جافة، بل هي تحكي قصة أكبر بكثير. إنها قصة عن حوالي 1.4 مليار دولار من رؤوس الأموال الخاصة التي تتدفق على السوق السكني في مصر. هذا المشهد يوضح أن مصر، رغم كل التحديات التي تواجهها، تظل دائماً وجهة استثمارية مغرية، تقدم مزيجاً فريداً من الفرص الواعدة والقيمة التاريخية والثقافية العميقة. هل هذا معناه أن الأسعار “هتولع في السما أكتر”؟ ربما، لكنه أيضاً يعني فرص عمل أكثر، وتنمية أوسع، واعترافاً عالمياً متزايداً بقوة الاقتصاد المصري وقدرته على الجذب. يبقى السؤال الذي يطرح نفسه، ما هو تأثير كل هذا الزخم الاستثماري على المواطن المصري العادي؟ وهل سيتمكن الشباب من امتلاك حلم “البيت” في ظل هذا التنافس المحموم؟ الأيام القادمة وحدها هي التي ستكشف لنا الإجابات.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.