هل تخيلت يوماً أن مدينة صحراوية، كانت قبل عقود قليلة تعتمد بشكل شبه كلي على ثروة واحدة، يمكنها أن تبني اقتصاداً متنوعاً وقوياً لدرجة أنها تحقق أرقاماً قياسية لم يسبق لها مثيل؟ هذا بالضبط ما ترويه لنا أحدث الأرقام الصادرة من قلب أبوظبي، والتي لا تقتصر على مجرد إحصائيات جافة، بل تحكي قصة نجاح ملهمة.

فقد كشف مركز الإحصاء في أبوظبي عن نتائج مذهلة للربع الثاني من عام 2025، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للإمارة 306.3 مليارات درهم، مسجلاً نمواً بنسبة 3.8% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي. لكن الأهم من ذلك، والذي يعتبر بحق إنجازاً تاريخياً، هو الأداء الاستثنائي للاقتصاد غير النفطي. ولأول مرة على الإطلاق، يصل هذا القطاع إلى قيمة ربعية قياسية تبلغ 174.1 مليار درهم، محققاً قفزة بنسبة 6.6% سنوياً، والأروع أنه تجاوز 56.8% من إجمالي الناتج المحلي. يعني، بصراحة، النصيب الأكبر من كعكة الاقتصاد دلوقتي بقى من غير نفط!

هذه الأرقام ليست مجرد ومضات عابرة، بل هي جزء من مسار تصاعدي ثابت. فالنصف الأول من عام 2025 شهد أيضاً نمواً قوياً للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 3.63% ليبلغ 597.4 مليار درهم، فيما واصل الاقتصاد غير النفطي تألقه بارتفاع قدره 6.37% ليلامس 337.6 مليار درهم. تخيل معي، كأنك تشاهد مدينة بأكملها تتحول وتنبض بالحياة في كل زاوية، فكل قطاع له قصته.

رحلة في قلب محركات النمو

لنفهم كيف وصلت أبوظبي إلى هذا المفترق التاريخي، دعونا نلقي نظرة على القطاعات التي قادت هذه الطفرة:

الصناعة: قلب الاقتصاد النابض
هل تعلم أن الصناعات التحويلية باتت المساهم الأكبر في الاقتصاد غير النفطي؟ قيمتها المضافة بلغت 30.1 مليار درهم، تشكل 9.8% من الناتج المحلي الإجمالي، بنمو 3.1%. هذا يعكس بوضوح نجاح “استراتيجية أبوظبي الصناعية” الطموحة. منذ عام 2022، زاد الإنتاج الصناعي بنسبة 23%، وارتفع عدد المنشآت الصناعية بنحو 19.4%. هذا ليس مجرد نمو، ده تحول استراتيجي بيخلي أبوظبي مركز صناعي إقليمي بجد.

التشييد والبناء: ناطحات سحاب وسهولة غير مسبوقة
نشاط التشييد والبناء سجل ارتفاعاً بنسبة 9.7% في الربع الثاني من 2025، ليصل إلى قيمة قياسية عند 30 مليار درهم، مساهماً بـ 9.8% في الناتج المحلي الإجمالي. هذا النمو الهائل، أو ممكن نقول “الفيضان العمراني”، يعود الفضل فيه إلى مبادرات الإمارة في تطوير البنية التحتية والإسكان. ومن ضمن هذه المبادرات، منصة “بِناء” المدعومة بالذكاء الاصطناعي، واللي بتقلل وقت إصدار تصاريح البناء بنسبة تصل إلى 70%. يعني اللي كان بياخد أسابيع ممكن دلوقتي يخلص في أيام قليلة، وده طبعاً بينعكس على سرعة تنفيذ المشاريع.

المالية والتأمين: مركز مالي عالمي يشتد عوده
قطاع المالية والتأمين حقق نمواً مذهلاً بلغ 10.3%، بقيمة 21.8 مليار درهم، مساهماً بـ 7.1% من الناتج المحلي الإجمالي. أرقام “سوق أبوظبي العالمي” (ADGM) وحدها كافية لتسليط الضوء على مكانة أبوظبي المتنامية كمركز مالي. في النصف الأول من 2025، زادت الأصول المدارة بنسبة 42%، وارتفعت التراخيص الجديدة بـ 47%، ونمت الشركات العاملة بنسبة 42%. أما سوق أبوظبي للأوراق المالية (ADX)، فهل تصدق أن قيمة التداول الإجمالية زادت بـ 33.5% والاستثمار الأجنبي الصافي قفز بنسبة 99.5% في النصف الأول من العام؟ هذه الأرقام تتكلم عن نفسها.

العقارات: جاذبية لا تقاوم للمستثمرين
حتى العقارات لم تستثنَ من هذا الازدهار! القيمة المضافة لأنشطة القطاع وصلت إلى 11.7 مليار درهم، بزيادة 10.2% سنوياً، مساهمة بـ 3.8% في الناتج المحلي الإجمالي. هذه الطفرة مدفوعة بالنمو السكاني القوي وثقة المستثمرين الأجانب. في النصف الأول من 2025، ارتفعت التصرفات العقارية بنسبة 39%، وزادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بـ 3.3%، والأهم أن قاعدة المستثمرين اتسعت لتشمل 85 جنسية مختلفة! ده بيبين قد إيه أبوظبي بقت مغرية لرؤوس الأموال من كل مكان.

المعلومات والاتصالات: نحو حكومة الذكاء الاصطناعي
قطاع المعلومات والاتصالات حقق قيمة مضافة بلغت 8.6 مليارات درهم، بنمو 6%، ليشكل 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الزخم الكبير يأتي نتيجة “استراتيجية أبوظبي الرقمية 2025-2027” التي تبلغ قيمتها 13 مليار درهم، والتي تهدف إلى أتمتة الخدمات الحكومية وتنفيذ أكثر من 200 حل ذكاء اصطناعي. هل يمكن أن تتخيل حكومة تُدار بالذكاء الاصطناعي بالكامل؟ أبوظبي تعمل على ذلك فعلاً.

قطاعات أخرى: نمو متوازن ومتكامل
لم يتوقف النمو عند القطاعات الكبرى. فمثلاً، شهدت تجارة الجملة والتجزئة توسعاً بنسبة 1.6%، مدعومة بإنفاق المستهلكين وارتفاع كبير في التجارة غير النفطية. الخدمات المهنية والعلمية والتقنية نمت 10%، مما يدل على التحول نحو اقتصاد المعرفة. حتى قطاع الكهرباء والغاز والمياه حقق أعلى نسبة نمو بـ 12.5% بفضل استراتيجيات الطاقة طويلة المدى، والفنون والترفيه سجل 12%، مما يعكس حيوية المشهد الثقافي والسياحي. يعني باختصار، كل قطاع بيكمل التاني، والمشي كله في اتجاه واحد: النمو.

مستقبل يبنى على الرؤية لا النفط

إن الأداء القوي والمتوازن الذي حققته أبوظبي في الربع الثاني والنصف الأول من عام 2025 ليس مجرد أرقام عابرة، بل هو شهادة حية على نجاح جهود التنويع الاقتصادي. إنه يؤكد مرونة النموذج الاقتصادي للإمارة وقدرته على استقطاب الاستثمارات وتحفيز الابتكار وخلق وظائف ذات قيمة عالية.

هل هذا النمو مجرد صدفة؟ قطعاً لا. إنه انعكاس لسياسات واضحة، استثمارات استراتيجية، ورؤية حكومية طموحة لا تركن على ماضيها النفطي، بل تبني مستقبلها على الابتكار والتكنولوجيا والمعرفة. عندما نتحدث عن تحول رقمي يرتكز على رؤية الإمارة لتصبح أول حكومة قائمة على الذكاء الاصطناعي في العالم، فإننا نتحدث عن خارطة طريق واضحة لاقتصاد مرن وشامل. هذه ليست قصة أبوظبي وحدها، بل هي نموذج ملهم لكل من يرى في التحديات فرصاً لبناء غدٍ أفضل، ألا توافقني الرأي؟

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.