حسن محمود
أرضك.. بيتك.. استثمار عمرك. هل تخيلت يومًا أن كل هذا يمكن أن يكون له رقم تعريفي لا يمحى، مرتبط بالواقع على الأرض، لا مجرد وثيقة ورقية قديمة حبيسة في درج أو معرضة للضياع؟ هذا ليس حلمًا بعيد المنال، بل هو واقع جديد يتشكل على أرض المملكة العربية السعودية، في خطوة وصفتها الهيئة العامة للعقار بأنها بداية عهد جديد لتوثيق الملكية العقارية. فالشفافية والدقة، بصراحة كده، هما أساس أي تنمية حقيقية، وهذا بالضبط ما تسعى إليه المملكة عبر “التسجيل العيني للعقار” الذي أعلنت الهيئة عن بدء أعماله في مناطق حيوية ومكتظة.
يُعدّ التسجيل العيني للعقار نقلة نوعية في إدارة الثروة العقارية، فهو يتجاوز مجرد تسجيل الصكوك الورقية ليقوم بتوثيق العقار نفسه بحدوده وأوصافه الجغرافية الدقيقة، ويمنحه رقمًا تعريفيًا فريدًا لا يتغير. هذه الخطوة الاستراتيجية تهدف إلى إنشاء سجل عقاري موثوق به وشامل، يحد من النزاعات، ويوفر بيئة استثمارية أكثر جاذبية وأمانًا. وقد كشفت الهيئة العامة للعقار أن هذه المرحلة الافتتاحية ستشمل 77 حيًا، تتوزع بين ثلاث من أهم مناطق المملكة: الرياض، مكة المكرمة، والمنطقة الشرقية.
الأرقام الأولية لهذه المرحلة تكشف عن حجم العمل والجهد المبذول. ففي منطقة الرياض وحدها، ستشهد 23 حيًا عمليات تسجيل عيني لقرابة 2,797 قطعة عقارية. أما في مكة المكرمة، فعدد الأحياء المشمولة يرتفع إلى 41 حيًا، لتشمل بدورها 37,604 قطعة عقارية، وهو رقم ضخم يعكس الكثافة السكانية والعقارية في هذه المنطقة المقدسة. بينما تستقبل المنطقة الشرقية، وهي مركز اقتصادي حيوي، 13 حيًا ستبدأ فيها أعمال التسجيل لـ 13,651 قطعة عقارية. هذه الأرقام، كما ترى، ليست مجرد إحصائيات، بل هي خريطة طريق لمستقبل عقاري أكثر تنظيمًا ووضوحًا.
ولكي لا يفوتك القطار، أو بمعنى أصح، تفوتك فرصة التسجيل، حددت الهيئة فترة زمنية واضحة لهذه المرحلة. فالتسجيل سيبدأ فعليًا من تاريخ 28 سبتمبر 2025، ويستمر حتى نهاية اليوم الأول من يناير 2026. يعني حوالي تلات شهور وشوية، فترة ممكن تبان طويلة، لكن مع العدد ده من العقارات، ومطالب التحقق والتجهيز، بصراحة مش كتير أبدًا. والهيئة أكدت أنها ستعلن تباعًا عن بقية المناطق والمحافظات والأحياء التي ستخضع لأعمال التسجيل العيني للعقار في مختلف مناطق المملكة خلال الفترات القادمة. وهذا يؤكد أن المشروع ليس مجرد مبادرة عابرة، بل هو خطة شاملة ستغطي المملكة بأكملها تدريجيًا.
طيب، إيه المطلوب منك كمالك عقار في إحدى هذه المناطق؟ الهيئة تدعو ملاَّك العقارات في الأحياء المشمولة إلى سرعة التحقق من صك ملكية العقار والتأكد من توفر الاشتراطات اللازمة استعدادًا لبدء التسجيل. يعني الموضوع محتاج تجهيز ومراجعة مستندات، مش حاجة تتعمل في آخر لحظة. وخليني أقول لك نصيحة مهمة أوي: لا تأجل عمل اليوم إلى الغد، خصوصًا لما يكون فيه غرامات.
النقطة دي بالذات لازم نقف عندها. بينت الهيئة بوضوح أن عدم تسجيل العقارات خلال المدة المحددة في قرار الإعلان سيعرض ملاكها للغرامات المالية المنصوص عليها في نظام التسجيل العيني للعقار. وللتأكد من تطبيق القانون بإنصاف، سيتم تحديد هذه الغرامات بواسطة لجنة مختصة بالنظر في المخالفات. يعني الموضوع جد، ومش هزار. الهدف ليس معاقبة الناس، بل حثهم على الانخراط في هذا النظام الجديد الذي يصب في مصلحتهم أولاً وأخيرًا.
لماذا هذه الخطوة الآن؟ التسجيل العيني للعقار هو حجر زاوية أساسي ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030 الرامية إلى بناء اقتصاد مزدهر ومجتمع حيوي. هو يدعم الشفافية في سوق العقارات، ويحد من التلاعب، ويوفر بيانات دقيقة وموثوقة تسهم في التخطيط العمراني السليم وتسهيل الإجراءات الحكومية. تخيل سوقًا عقاريًا حيث كل قطعة أرض وكل مبنى له هوية رقمية واضحة، وخالٍ من المشاكل المتعلقة بتداخل الملكيات أو تضارب الصكوك! هذا سيعزز الثقة لدى المستثمرين، سواء كانوا محليين أو دوليين، ويحفز النمو الاقتصادي في القطاع العقاري، الذي يُعد من أهم روافد الاقتصاد الوطني.
في الختام، نحن أمام مرحلة مفصلية في تاريخ العقار السعودي. إنها دعوة لكل مالك عقار، سواء كان عقاره سكنيًا أو تجاريًا أو أرضًا بيضاء، ليس فقط لتجنب الغرامات، بل ليكون جزءًا فاعلًا في بناء مستقبل عقاري أكثر أمانًا وتنظيمًا. فالتسجيل العيني ليس مجرد إجراء روتيني، بل هو استثمار في وضوح الملكية، وتعزيز لقيمة العقار، وضمان لحقوق الأجيال القادمة. فهل نحن مستعدون لهذه القفزة النوعية نحو منظومة عقارية رقمية حديثة تليق بطموح المملكة العربية السعودية؟ الأكيد أن الرياض ترسم خريطة جديدة للعقار، خريطة تعكس طموحها في التطور والريادة.
