هل فكرت يومًا في وجهة يرى فيها الأثرياء حول العالم ملاذًا آمنًا لأموالهم، بل ولأحلام أجيالهم القادمة؟ مدينة لا تقدم مجرد عقارات فاخرة، بل تورث “مستقبلًا” لمن يأتي بعدهم؟ دبي، جوهرة الخليج المتلألئة، لم تعد مجرد مركز تجاري صاخب أو واحة صحراوية تستقبل السياح، بل تحولت بهدوء وثبات إلى حصن استثماري، خاصة في سوقها العقاري الفاخر. هذا ليس كلامًا عابرًا، بل خلاصة تقرير حديث صادر عن “دبي سوثبيز إنترناشونال ريالتي”، يكشف عن تحول استراتيجي في نظرة كبار المستثمرين إلى الإمارة.

في جوهر هذا التحول، يكمن فهم عميق للاستثمار يتجاوز مجرد تحقيق عوائد سريعة. فالتقرير يسلط الضوء على فئتين أساسيتين من المشترين: أولئك الذين بلغوا الخمسينيات والستينيات من العمر، وهم يبحثون عن إرث دائم، وقطاع واسع من المستثمرين الأوروبيين والبريطانيين. هؤلاء لا يرون العقار مجرد أصل يدر دخلاً، بل ينظرون إليه كـ”مستقبل” يمكن توريثه. يعني بمنتهى البساطة، إنهم بيبنوا لأولادهم وأحفادهم، مش مجرد بيشتروا شقة وخلاص. هذا التوجه العميق نحو الاستثمار طويل الأجل يتناقض بوضوح مع الحضور المحدود نسبيًا للفئات العمرية الأصغر التي ربما تبحث عن استثمارات ذات مدى أقصر.

فلماذا دبي تحديدًا؟ وما الذي يدفع هؤلاء المستثمرين، وبخاصة من المملكة المتحدة وأوروبا، إلى وضع ثقتهم المطلقة في سوقها العقاري؟ بالنسبة للمشترين البريطانيين، لعبت التغييرات الضريبية في بلادهم وارتفاع قيمة الجنيه الإسترليني دورًا محوريًا في توجيه بوصلتهم نحو دبي. وكأنها كانت إشارة خضراء لهم ليعيدوا ترتيب أوراقهم المالية في بيئة أكثر جاذبية. أما بالنسبة للجنسيات الأوروبية الأخرى، مثل الفرنسيين والإيطاليين والسويسريين، فإن الدوافع تتمركز حول الاستقرار المالي الذي توفره الإمارة، بالإضافة إلى المزايا الضريبية المغرية التي لا يمكن تجاهلها. يعني بالبلدي كده، الكل بيدور على الأمان وراحة البال لفلوسه.

لكن الأمر لا يقتصر على أوروبا وحدها. فالنطاق الدولي لسوق دبي الفاخر يتسع ليشمل لاعبين أقوياء من الهند وروسيا وتركيا والولايات المتحدة وقبرص. هذا التنوع يجسد مكانة دبي كحاضنة عالمية للثروات، ومحور يجمع ثقافات وخططًا استثمارية متباينة تحت مظلة واحدة. لم تعد الإمارة مجرد محطة عابرة أو خيارًا ثانويًا، بل أضحت وجهة استراتيجية تتصدر قائمة أولويات المستثمرين الباحثين عن استقرار راسخ وعوائد مجزية على المدى الطويل. وكأن دبي أصبحت صندوق أمانات عالمي، كبير ومتين، يستوعب طموحات أصحاب الثروات من كل حدب وصوب.

عند تحليل أنماط الشراء، تتضح الصورة أكثر. أكثر من نصف المشتريات، وبنسبة 55%، مخصصة لتكون سكنًا رئيسيًا. هذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل هو دليل قاطع على الثقة المطلقة التي توليها العائلات والأفراد لدبي كبيئة معيشية مستقرة ومتكاملة. يأتي بعد ذلك الاستثمار الصرف بنسبة 34%، مما يؤكد الجدوى الاقتصادية للعقار في الإمارة. أما المنازل المخصصة للعطلات، فلا تتجاوز 11% من إجمالي المشتريات. هذا التركيز الكبير على السكن الرئيسي والاستثمار الجاد، مقابل النسبة الضئيلة للعطلات، يخبرنا الكثير عن طبيعة العلاقة التي ينسجها هؤلاء المستثمرون مع دبي؛ إنها علاقة التزام وجذور، وليست مجرد زيارة صيفية.

لماذا هذا الإيمان العميق بإمكانات دبي؟ ببساطة، يرى هؤلاء المستثمرون في عقاراتها ليس فقط جدرانًا وأسقفًا، بل إرثًا يُسلم للأجيال القادمة. هم يراهنون على مستقبل دبي الواعد، واستقرارها السياسي والاقتصادي، وبنيتها التحتية العالمية، وبيئتها الآمنة التي توفر جودة حياة لا تضاهى. إنها معادلة تجمع بين الرفاهية والأمان والفرص، مما يجعلها الخيار الأمثل لمن يسعى لترك بصمة دائمة لأبنائه. هل يوجد استثمار أثمن من أن تضمن لأحفادك مكانًا آمنًا ومزدهرًا ينطلقون منه؟

في الختام، لم تعد دبي تتباهى بناطحات السحاب الشاهقة فحسب، بل أصبحت تجسيدًا حيًا لفلسفة استثمارية متكاملة تتجاوز الماديات إلى ما هو أعمق: الأمان للمستقبل، والضمان للأجيال. إنها ليست مجرد وجهة للاستثمار قصير الأجل، بل محطة استراتيجية ومركز ثقل عالمي يجذب من يبحثون عن جذور قوية ومستقبل مشرق. هذا التحول يؤكد أن الإمارة قد نحتت لنفسها مكانة فريدة كمعقل عالمي للثروة والاستقرار، مبرهنة على أن الرؤية الطموحة، المقترنة بالتخطيط السليم، يمكن أن تحول الصحراء إلى أرض خصبة للأحلام والفرص، ليس لجيل واحد، بل لأجيال متعاقبة.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.