هل تخيلت يوماً أن تصك ملكيتك العقارية يمكن أن يكون مجرد ورقة بين ملايين الأوراق، أو ربما لا يكون له وجود واضح في سجلات رقمية موحدة؟ في عالم اليوم المتسارع، لم يعد الأمر مجرد رفاهية، بل ضرورة ملحة. فماذا لو أصبح كل شبر من أرضك أو عقارك مرتبطاً برقم فريد، موثقاً بأحدث التقنيات، ويضمن لك الحقوق، ويحميك من أي تعقيدات مستقبلية؟ هذا بالضبط هو جوهر المبادرة الضخمة التي أطلقها السجل العقاري السعودي، والتي بدأت فعلياً باستقبال طلبات التسجيل العيني الأول لعشرات الآلاف من العقارات في أنحاء متفرقة من المملكة، واعدة بعصر جديد من الشفافية والموثوقية في قطاع يُعد عصب الاقتصاد.
في خطوة جريئة نحو المستقبل، أعلن السجل العقاري عن بدء المرحلة الأولى من مشروع التسجيل العيني الشامل، مستهدفاً 64,366 قطعة عقارية. هذا الرقم الكبير لا يعكس فقط حجم المجهود المبذول، بل يؤكد العزم على بناء قاعدة بيانات عقارية متكاملة تُضاهي أرقى الأنظمة العالمية. المناطق المستهدفة في هذه المرحلة حيوية ومتنوعة، وتشمل قلب المملكة وروحها؛ المدينة المنورة ومكة المكرمة، إضافة إلى شريانها الاقتصادي في المنطقة الشرقية، وعاصمتها النابضة الرياض. يعني بصراحة كده، معظم المناطق اللي فيها حركة عقارية كبيرة بقت تحت الأضواء.
ولم تقتصر هذه المبادرة على المدن الكبرى فحسب، بل امتدت لتشمل أحياء محددة تشهد كثافة عقارية ونمواً ملحوظاً. ففي المدينة المنورة، تم استهداف أحياء مثل القصواء، النخيل، الجامعة، والقبليتين، وهي مناطق معروفة بقيمتها التاريخية والحضرية. بالإضافة إلى ذلك، شملت القائمة أحياء مختارة في جدة، تلك المدينة الساحلية التي لا تنام، وأيضاً مناطق مثل المجمعة، الزلفي، القيصومة، وحفر الباطن. كل هذه التفاصيل تؤكد أن الاختيار لم يكن عشوائياً، بل مدروساً بعناية لضمان أقصى استفادة وتغطية أوسع شريحة ممكنة من العقارات.
ولكي يكتمل المشهد، وجه السجل العقاري دعوة صريحة وواضحة لجميع ملاك العقارات في هذه المناطق المحددة. الرسالة كانت بسيطة ومباشرة: سارعوا بتسجيل ممتلكاتكم. لكن لا تتأخروا! هناك موعد نهائي، وهو يوم الخميس الموافق 25 ديسمبر 2025م. الوقت يبدو طويلاً للبعض، لكن الخبرة علمتنا أن التأجيل قد يجر معه الكثير من المتاعب. عملية التسجيل نفسها صُممت لتكون في غاية السهولة، حيث يمكن إتمامها عبر منصة السجل العقاري الإلكترونية المتطورة أو من خلال تطبيقهم الخاص على الهواتف الذكية. ولو احتجت لأي مساعدة، مركز خدمة العملاء موجود وجاهز للرد على استفساراتك. يعني مفيش حجة خالص.
ولماذا كل هذا الإلحاح على التسجيل؟ الأمر لا يتعلق بمجرد إجراء إداري روتيني. السجل العقاري أكد أن إتمام عملية التسجيل خلال الفترة المحددة يفتح أمام الملاك أبواباً واسعة من المزايا. أولاً، يضمن لك الاستفادة الكاملة من الخدمات التي يقدمها السجل. ثانياً، يسهّل عليك كثيراً إجراء أي تصرفات عقارية مستقبلية، سواء كانت بيعاً، شراءً، رهناً، أو توريثاً؛ تخيل أنك لن تحتاج لملاحقة الأوراق بين الجهات المختلفة، كل شيء سيكون موثقاً وواضحاً. والأهم من ذلك، أن التسجيل يحميك من أي عقوبات أو غرامات قد تترتب على عدم الامتثال لنظام التسجيل العيني، واللي بصراحة ممكن تكون مبالغ مش قليلة.
المشروع ككل يتجاوز كونه مجرد تسجيل لقطع أراضٍ. إنه رؤية طموحة لبناء سجل شامل وموحد لمعلومات العقارات في المملكة العربية السعودية. يعتمد السجل على أحدث التقنيات الرقمية والبيانات الجيومكانية الدقيقة، والتي تتيح تحديد الموقع الجغرافي لكل عقار بدقة متناهية. الهدف الأسمى هنا هو أن يكون هذا السجل المرجع الرسمي والوحيد لجميع البيانات العقارية في المملكة. هل تتخيل حجم الطمأنينة التي سيشعر بها المستثمر والمواطن عندما يعلم أن ملكيته موثقة بهذا الشكل القوي؟ ده اللي بيسموه “الأمان العقاري” يا جماعة.
وما الذي سيحصل عليه المالك بعد إتمام عملية التسجيل؟ ليس مجرد إيصال أو ورقة عادية. سيقوم السجل بإصدار “رقم عقار” فريد لكل ملكية، بالإضافة إلى “صك تسجيل ملكية” جديد. هذا الصك ليس كالصكوك التقليدية، بل هو وثيقة متكاملة تتضمن الموقع الدقيق للعقار، بيانات المالك كاملة، وصف تفصيلي للعقار، حالته القانونية، وأي حقوق أو التزامات مرتبطة به. هذا التوثيق الدقيق يدعم بشكل كبير ضمان الملكية واستدامة القطاع العقاري، ويقلل إلى أدنى حد ممكن من النزاعات أو الأخطاء. يعني، كل تفصيلة صغيرة هتكون متسجلة ومعروفة.
ولتحقيق هذا المشروع الوطني الضخم، تتضافر جهود عدة جهات. فالهيئة العامة للعقار تتولى الدور المحوري في تحديد المناطق العقارية المستهدفة وفقاً للمعايير والضوابط النظامية الموضوعة. أما التنفيذ الفني والإدارة اليومية للسجل العقاري، فتقع على عاتق الشركة الوطنية لخدمات التسجيل العيني. هذه الشركة تستخدم منصة رقمية متكاملة مصممة خصيصاً لتعزيز الشفافية والثقة في جميع بيانات وخدمات العقارات، لتضمن تجربة سلسة وموثوقة لكل من يتعامل معها.
في النهاية، هذه المبادرة ليست مجرد تطوير لأنظمة تسجيل العقارات، بل هي نقلة نوعية تتماشى تماماً مع رؤية المملكة 2030 الطموحة. إنها استثمار في المستقبل، يهدف إلى بناء اقتصاد رقمي شفاف وموثوق، حيث يشعر كل مواطن ومستثمر بالأمان التام على ملكيته. فهل نحن مستعدون للانتقال إلى هذا العصر الجديد من الملكية العقارية؟ وهل ندرك تماماً قيمة هذه الخطوة في حماية حقوقنا وتعزيز استثماراتنا؟ الأكيد أن المستقبل يحمل الكثير من التسهيلات، بشرط أن نتعامل مع هذه الفرصة بجدية ووعي.