مصر: بوابة الاستثمار الواعدة… من العقار للسياحة، هل حان وقت قطف الثمار؟
تخيل معي مشهداً اقتصادياً تتشابك فيه خيوط النمو والتطور، وتتلاقى فيه الرؤى المستقبلية مع الفرص الحالية. هذا ليس مجرد حلم، بل هو الواقع الذي تحاول مصر ترسيخه بقوة، مدفوعة بإصلاحات جريئة وتطلعات طموحة. في قمة سيتي سكيب 2025، التي تُعد بمثابة بوصلة لتحديد اتجاهات السوق العقاري والفرص الاستثمارية الأوسع في المنطقة، لم يكن الحديث يدور حول البناء والطوب فقط، بل عن اقتصاد متكامل، ينبض بالحياة في كل قطاعاته.
في إحدى جلساتها المحورية التي حملت عنوان “الاستثمار متعدد القطاعات في مصر – من العقارات والتنمية الحضرية، إلى الصحة، والسياحة، والضيافة، والصناعة، واللوجيستيات”، التي أدارها ببراعة السيد باسم فايق، الشريك والعضو المنتدب بمجموعة بوسطن للاستشارات، كان هناك صوت واحد يتردد بوضوح، صوت يؤكد أن مصر ليست مجرد وجهة، بل هي مركز جذب إقليمي بامتياز. هذا الصوت كان للسيد حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، الذي ألقى الضوء على ملامح المشهد الاستثماري المتنامي وما يحمله من إمكانات مستقبلية واعدة.
أكد هيبة أن الرؤية الحكومية الحالية، المدفوعة بإصلاحات اقتصادية عميقة، لم تكن مجرد قرارات عابرة، بل كانت بمثابة حجر الزاوية الذي بنى عليه المستثمرون الدوليون ثقتهم في السوق المصرية. وقالها بصراحة ووضوح: “لولا هذا التحول الجذري في مناخ الأعمال، لما شهدنا هذه المشاركة الواسعة من المستثمرين الأجانب”. هذه الإصلاحات، التي شملت تبسيط الإجراءات وتوفير حوافز تتناسب مع التوجهات العالمية، حولت مصر من مجرد سوق محتمل إلى ساحة حقيقية للتنافس والاستثمار الجاد، وده اللي بنقول عليه، أساس جذب أي مستثمر في أي حتة في الدنيا.
لم يكتفِ هيبة بالحديث عن الماضي، بل ركز على الحاضر والمستقبل، مشيراً إلى أن القطاع العقاري، على وجه الخصوص، يُعد بمثابة القاطرة الرئيسية للاقتصاد المصري. هل تعلم أن تأثير هذا القطاع لا يقتصر على البناء والتشييد فقط؟ بل يمتد ليشمل عشرات القطاعات الأخرى، من الصناعة مروراً بالخدمات وصولاً إلى توفير فرص العمل. الحكومة، بدورها، لا تكتفي بالدعم اللفظي، بل تضع سياسات واضحة، وتعمل على تطوير البنية التحتية بشكل مستمر، وتمكّن القطاع الخاص من أداء دوره كاملاً في عمليات التنمية. يعني مش مجرد كلام، ده شغل على أرض الواقع.
وتتجلى هذه العلاقة المتكاملة بوضوح بين العقارات والسياحة. هل سبق لك أن فكرت كيف يمكن لمنزل أو فندق أن يدفع عجلة السياحة؟ الأمر بسيط: كلما زاد المعروض من الوحدات العقارية، سواء كانت سكنية أو فندقية، كلما زادت القدرة الاستيعابية لاستقبال الزوار. ومصر، التي تستهدف استقبال 30 مليون سائح، تجد نفسها أمام تحدٍ حلو: الفنادق ممتلئة بالكامل في معظم الأوقات. هذا يستدعي توسعاً غير مسبوق في إنشاء فنادق جديدة، وهذا بدوره يفتح الباب أمام فرص استثمارية ضخمة في قطاع الضيافة. كما أن هناك فجوة واضحة في المساحات الإدارية، خاصة في قلب القاهرة، وهي فرصة ذهبية لمن يبحث عن مجال للتوسع.
لكن السؤال الأهم الذي طرحه هيبة، والذي يستحق منا جميعاً التفكير فيه: كيف يمكن لمصر أن تحول هذا النمو السياحي الهائل إلى فرصة حقيقية لتصدير العقار؟ ببساطة، كيف نُقنع المستثمر الأجنبي بشراء “منزل ثانٍ” هنا؟ الأمر يتطلب عدة عوامل حاسمة: سهولة الوصول إلى المواقع الجذابة، توفير خيارات معيشية متكاملة تناسب الأجانب، تبسيط إجراءات منح التأشيرات، والأهم من ذلك، تخفيف القيود على عدد الوحدات التي يمكن للأجانب امتلاكها. يعني من الآخر، عايزين نفتح الأبواب على مصراعيها، ونشجع الناس تيجي تعيش عندنا وتستثمر.
مصر، بإمكاناتها الجغرافية والاقتصادية، وبفضل اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعتها مع أكثر من 70 دولة، مؤهلة بقوة لتكون مركزاً إقليمياً جاذباً للاستثمارات. العمل من داخل مصر لا يمنح المستثمرين مجرد موقع جغرافي، بل يوفر لهم مزايا استراتيجية ملموسة، وهو نهج تتبعه الدولة منذ أكثر من ثلاثة عقود وسيبقى ركيزة أساسية للمستقبل.
لم تتوقف قمة سيتي سكيب عند هذا الحد؛ فقد كانت أجندتها حافلة بجلسات ونقاشات تناولت كل شيء تقريباً. من انعكاسات الاقتصاد العالمي على مصر، مروراً بتقدم برنامج الإصلاح الاقتصادي ورؤية مصر 2030، وصولاً إلى تدفقات رأس المال الخليجي ودورها في تعزيز مكانة مصر كمركز استثماري عقاري. وتطرقت الجلسات أيضاً إلى الابتكار العمراني في العاصمة الإدارية الجديدة ومشروع رأس الحكمة، الذي يُعد أكبر استثمار أجنبي مباشر في تاريخ مصر، ما يظهر عمق التفكير والتخطيط للمستقبل.
القمة ليست مجرد منتدى نقاشي، بل هي معرض متكامل “سيتي سكيب مصر 2025” ينطلق اليوم ويستمر لأربعة أيام بمركز مصر للمعارض الدولية (EIEC) بالقاهرة الجديدة. هنا، يلتقي أكثر من 80 مطوراً عقارياً محلياً ودولياً لعرض أحدث مشروعاتهم، التي تتجاوز 1000 مشروع متنوع، من وحدات سكنية وتجارية إلى مدن ذكية ومستدامة. ويُتوقع أن يستقبل المعرض أكثر من 40 ألف زائر، ما بين مستثمر محلي وإقليمي، ورجل أعمال يبحث عن شراكات جديدة، وحتى الأفراد الباحثين عن منزل أحلامهم. يعني فرص لا تُحصى تحت سقف واحد!
في الختام، ما شهدناه في قمة ومعرض سيتي سكيب 2025 ليس مجرد فعاليات عابرة، بل هو انعكاس لاستراتيجية واضحة المعالم تهدف إلى صياغة خريطة مستقبلية للسوق العقارية المصرية، تستند إلى التنوع والابتكار والاستدامة. مصر الآن ليست فقط “بوابة إفريقيا” أو “قلب الشرق الأوسط”، بل هي مركز جذب للاستثمار يفتح ذراعيه للعالم. السؤال الآن، هل نحن مستعدون تماماً لقطف ثمار هذه الجهود، ونرى مصر تتربع على عرش الاستثمار الإقليمي بامتياز؟ الأيام القادمة هي التي ستجيب، لكن المؤشرات تبدو واعدة جداً، بصراحة كده، الواحد متفائل!