حكومة واشنطن تتلعثم، والعملات المشفرة تتألق: قراءة في صعود الأصول الرقمية وسط اضطراب الأسواق
في عالم اعتاد على الروتين المالي وقواعده الصارمة، تأبى الأصول الرقمية إلا أن ترسم مسارها الخاص، غالبًا ما يكون معاكسًا للتيار. فبينما كانت رياح القلق تعصف بالأسواق العالمية وتتسلل إلى أروقة البورصات التقليدية يوم الخميس، على خلفية تقلبات سياسية واقتصادية في قلب الولايات المتحدة، كان هناك قطاع واحد يرقص على إيقاع مختلف تمامًا، محققًا قفزات ملحوظة: سوق العملات المشفرة. سؤال يفرض نفسه بقوة: هل باتت هذه الأصول الافتراضية ملاذًا آمنًا في أوقات الاضطراب، أم أنها مجرد مرآة تعكس شهية المخاطرة المتزايدة؟
لم يكن ذلك الصعود مفاجئًا تمامًا لمن يتابع نبض الاقتصاد العالمي. فالتاريخ يعيد نفسه، وبمجرد أن تتدهور الثقة في المؤسسات المالية العريقة أو تلوح في الأفق بوادر عدم يقين سياسي، تتجه الأنظار نحو البدائل. ومؤخرًا، كانت “أزمة” إغلاق الحكومة الأمريكية هي الشرارة التي أشعلت فتيل القلق، ملقية بظلالها على توقعات النمو العالمي ومستقبل السياسات النقدية. في مثل هذه الأجواء المشحونة، حيث يتجه المستثمرون عادة نحو الذهب أو سندات الخزانة، كانت العملات الرقمية تفرض نفسها بقوة كخيار جريء ومختلف. بصراحة كده، لما الدنيا بتتكهرب، الناس بتدور على أي حاجة تهرب ليها فلوسها، والعملات الرقمية كانت زي المغناطيس لكتير.
على رأس هذه الموجة الصاعدة، تربعت “البيتكوين” كعادتها، مؤكدة مكانتها كقائد للمشهد الرقمي. فمع بزوغ شمس يوم الخميس، وتحديدًا في تمام الساعة 09:43 صباحًا بتوقيت مكة المكرمة، ارتفعت قيمة العملة الأشهر بنسبة 1.04%، لتبلغ 118,749 دولارًا أمريكيًا، وفقًا لبيانات “كوين باس” الموثوقة. هذا الارتفاع ليس مجرد رقم عابر، بل هو إشارة واضحة على أن هذه العملة الافتراضية، التي وُصفت يومًا بأنها فقاعة، أصبحت لاعبًا أساسيًا لا يمكن تجاهله في خضم التحولات الاقتصادية الكبرى. هل هي حقًا “الذهب الرقمي” الجديد؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.
ولم تكن البيتكوين وحدها من استمتعت بأضواء الشهرة في هذا اليوم. فسرعان ما لحقت بها نظيراتها من العملات المشفرة، المعروفة بـ “العملات البديلة” أو “الألتكوينز”. “الإيثريوم”، ثاني أكبر عملة رقمية من حيث القيمة السوقية، قفزت هي الأخرى بنسبة 1.81%، مسجلة 4410.52 دولارًا. أما “الريبل”، فقد ارتفعت بنسبة 1.15% لتصل إلى 2.9813 دولار، بينما سجلت “الدوج كوين”، التي بدأت كمزحة وتحولت إلى ظاهرة، صعودًا لافتًا بنسبة 3.92%، لتستقر عند 25.61 سنتًا. يعني ببساطة، الحفلة كانت شاملة، وكل واحد في سوق الكريبتو أخذ نصيبه من الصعود ده.
لكن هذه الحركة الصعودية لم تمر دون رصد وتحليل من قبل بيوت الخبرة المالية العريقة. “سيتي جروب”، أحد أبرز البنوك الاستثمارية العالمية، كان له رأيه الخاص وتعديلاته التوقعية. ففي خطوة تعكس الثقة المتزايدة في العملة الذكية، رفع البنك هدف سعر “الإيثريوم” بنهاية العام إلى 4500 دولار، بعد أن كان 4300 دولار، مرجعًا ذلك إلى التدفقات القوية للعملة الافتراضية من صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs). الغريب بقى، إنهم في نفس الوقت خفضوا توقعاتهم لسعر “البيتكوين” بشكل طفيف من 135 ألف دولار إلى 133 ألف دولار. ده بيورينا إن حتى المحللين الكبار شايفين إن مش كل العملات الرقمية زي بعضها، وكل واحدة ليها ظروفها.
هذه التقييمات المعدلة، وذلك الصعود الملحوظ في سوق العملات المشفرة، لا يمكن فصلهما عن المشهد الاقتصادي الأوسع. فقبل يوم واحد فقط من هذا الارتفاع، كشف تقرير “إيه دي بي” (ADP) عن بيانات صادمة أظهرت تراجعًا غير متوقع في عدد الوظائف بالقطاع الخاص الأمريكي خلال شهر سبتمبر. هذا التراجع ليس مجرد رقم إحصائي، بل هو مؤشر قوي على ضعف متزايد في سوق العمل، وهو ما دفع المتداولين إلى زيادة رهاناتهم على أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قد يلجأ إلى خفض أسعار الفائدة مرتين إضافيتين هذا العام. يعني إيه الكلام ده؟ ببساطة، ضعف الاقتصاد بيزود الضغط على البنك المركزي عشان يخفف من سياسته النقدية، وده غالبًا ما بيصب في صالح الأصول الخطرة زي العملات المشفرة.
فهل نحن أمام تحول نموذجي؟ هل بدأت العملات المشفرة ترسي دعائمها كـ “ملاذ آمن” جديد، ينافس الذهب والدولار في أوقات الأزمات؟ أم أن صعودها هو مجرد انعكاس لحالة من المضاربة النشطة، يبحث فيها المستثمرون عن عوائد سريعة في ظل بيئة اقتصادية تتسم بالضبابية وانخفاض عوائد الأصول التقليدية؟ هذا التساؤل يظل قائمًا، وربما تكون الإجابة ليست إما هذا أو ذاك، بل مزيجًا من الاثنين.
ما لا شك فيه هو أن هذه الأحداث تبرهن مرة أخرى على أن عالم المال لم يعد مقتصرًا على البورصات التقليدية فقط. فالأصول الرقمية، بقدر ما تحمل من مخاطر وتقلبات، أثبتت قدرتها على التفاعل والتأثر، بل والازدهار، في ظل ظروف اقتصادية عالمية معقدة. بالنسبة للمستثمر، سواء كان محترفًا أو مبتدئًا، هذه ليست مجرد أرقام ترتفع وتنخفض. إنها دعوة للتفكير في مستقبل الاستثمار، وفي كيفية تنويع المحافظ المالية في عصر تتغير فيه القواعد بسرعة لم يسبق لها مثيل. هل أنت مستعد لركوب هذه الموجة الرقمية، أم تفضل البقاء على الشاطئ ومشاهدة المشهد من بعيد؟