Ahmed
في عالم تتسارع فيه نبضات الابتكار المالي، ويختلط فيه تأثير السياسة بأروقة البورصات الرقمية، يبرز اسمٌ لم يكن يتوقعه الكثيرون كلاعبٍ محوري في مشهد العملات المشفرة: عائلة ترامب. هل تخيلت يوماً أن اسم عائلة ترامب، بكل ما يحمله من ثقل سياسي وجدل، سيصبح رقماً صعباً في عالم العملات الرقمية؟ يبدو أن هذا هو الواقع الجديد في عام 2025، حيث تتجه الأنظار نحو ثلاث عملات رقمية رئيسية ترتبط بعلاقات وثيقة بهذه العائلة المؤثرة، وتثير اهتمام المستثمرين والمحللين على حد سواء.
في قلب هذا المشهد المتغير، تبرز عملة World Liberty Financial، أو اختصاراً WLFI، كواحدة من أبرز العملات الرقمية المرتبطة بترامب. هذا المشروع، الذي انطلق في سبتمبر 2024 بدعم واضح من الرئيس السابق دونالد جيه ترامب نفسه، لم يتوقف عن النمو. تبلغ القيمة السوقية للرمز المرتبط به الآن 4.95 مليار دولار أمريكي، ويتم تداول WLFI عند 0.2014 دولار أمريكي، حتى بعد انخفاض طفيف بنسبة 5.79% خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية، بحجم تداول يومي وصل إلى 693.72 مليون دولار. دي العملة، بصراحة، عاملة شغل جامد!
لكن ما يجعل WLFI تتصدر العناوين مؤخراً ليس فقط قيمتها السوقية، بل خططها الطموحة لمستقبل الدمج بين العالم الرقمي والمال التقليدي. ففي أسبوع البلوك تشين الكوري لعام 2025 الذي عُقد في سيول، كشف المؤسس المشارك زاك فولكمان عن خطط لإطلاق بطاقة خصم مباشر (Debit Card) مبتكرة. هذه البطاقة، كما أوضح فولكمان، ستتصل بخدمة Apple Pay الشهيرة وستكون مرتبطة بشكل وثيق بتطبيق World Liberty الخاص بالمشروع. المشروع لا يكتفي بذلك، بل يسعى أيضاً لبناء منصة متكاملة للبيع بالتجزئة، توفر ميزات دفع وتداول على حد سواء، واصفاً إياها بأنها “Venmo يلتقي بـ Robinhood” – يعني عايزة تسهل الدنيا للناس خالص.
نقطة محورية أخرى أكد عليها فولكمان هي أن WLFI لن تُنشئ سلسلتها الخاصة من البلوك تشين. بل تهدف للمحافظة على حياديتها التكنولوجية، مع التركيز على عملتها المستقرة USD1، المصممة خصيصاً لربط التمويل التقليدي بأسواق العملات الرقمية. ولإضفاء المزيد من الثقل على مكانتها، أعلنت World Liberty Financial في وقت سابق من هذا العام عن صفقة تجارية ضخمة مع شركة ALT5 Sigma، وهي شركة تكنولوجيا مدرجة في البورصة. تتضمن الصفقة خططاً من ALT5 لبيع ما قيمته 1.5 مليار دولار من الأسهم واستخدام العائدات لشراء رموز WLFI، فيما ستحصل World Liberty على 750 مليون دولار من أسهم ALT5. الأهم من ذلك، أن إيداعات الأوراق المالية كشفت عن انضمام إيريك ترامب إلى مجلس إدارة ALT5، بينما سيتولى زاك ويتكوف، مؤسس World Liberty، منصب رئيس المجلس. هذه الشراكة ليست مجرد رقم في سجلات الشركة؛ إنها إشارة واضحة على جهود متنامية لربط الأصول المدعومة من ترامب بعالم التمويل السائد.
وإذا كانت WLFI تمثل الجيل الجديد، فإن عملة “TRUMP” الرسمية تحتفظ بمكانتها الخاصة كرمز الولاء الرقمي. يتم تداول هذا الرمز حالياً عند 7.67 دولار أمريكي، مع ارتفاع يومي طفيف بنسبة 0.14%، وتبلغ قيمته السوقية 1.53 مليار دولار أمريكي. أصبحت هذه العملة، ببساطة، استثماراً متخصصاً لمتابعي العلامة التجارية لترامب. وعلى الرغم من أنها لم تُعلن عن منتجات أو صفقات تجارية جديدة على غرار WLFI، إلا أن عملة TRUMP الرمزية تحتفظ بمكانة واضحة ضمن هذه المجموعة من الأصول الرقمية. أداؤها الثابت منذ إطلاقها يعكس إقبالاً مستمراً من جانب المتداولين والداعمين على حد سواء. كأنها بتقول: “أنا هنا ومش رايحة في أي حتة”.
وبعيداً عن العملات المشفرة الخاصة بالعائلة، لا يمكن الحديث عن أي تأثير لترامب في هذا المجال دون الإشارة إلى ملك العملات الرقمية: البيتكوين. البيتكوين، التي لا تزال تتربع على عرش السوق بقيمة سوقية تتجاوز 2.24 تريليون دولار وسعر يتجاوز 112 ألف دولار، وجدت لنفسها حليفاً غير متوقع في عائلة ترامب. إيريك ترامب، نجل الرئيس السابق، كشف عن جانب مثير للاهتمام في مؤتمر Bitcoin Asia في هونج كونج، موضحاً أن عائلته تحولت نحو العملات الرقمية بعد أن أغلقت البنوك أبوابها أمامهم بسبب قضايا سياسية. وكأنها قصة ملاذ آمن، رحب مجتمع البيتكوين بوالده، ليصبح الأخير داعماً رئيسياً للعملة. الآن، يخصص إيريك ترامب معظم وقته للعمل في مجال البيتكوين، ليس فقط كداعم، بل كشريك فاعل. فهو مرتبط بشركة “البيتكوين الأمريكية” (Bitcoin America)، التي تربطها علاقات تجارية قوية بالعملة، وكذلك بشركة Metaplanet، وهي شركة يابانية متخصصة في خزائن البيتكوين. كما أنه يتوقع بسعادة أن يصل سعر البيتكوين إلى مليون دولار في السنوات القليلة القادمة – طموح كبير، صح؟ تعليقاته هذه تؤكد أن البيتكوين لا تزال محورية في دور العائلة في الأصول الرقمية.
ما يربط هذه الخيوط الثلاثة، من WLFI الناشئة إلى TRUMP الولائية ووصولاً إلى البيتكوين العالمية، هو الانخراط المتزايد والعميق لعائلة ترامب في عالم الأصول الرقمية. هذا الانخراط لا يقتصر على مجرد الاستثمار؛ بل يمثل محاولة لدمج العملات الرقمية في النسيج المالي والسياسي الأوسع، وتحدياً للطرق التقليدية في التعامل مع المال والسلطة. فهل نشهد ميلاد حقبة جديدة حيث تؤثر الأسماء السياسية الكبرى بشكل مباشر في مستقبل أموالنا الرقمية؟ الواضح أن السوق الرقمية لم تعد مجرد ملعب للمهوسين بالتكنولوجيا؛ بل أصبحت ساحة جديدة تتشكل فيها التحالفات، وتُصاغ فيها قواعد اللعبة المالية بمزيج غير مسبوق من السياسة والابتكار.
