أحلام العقار: لماذا لن تنخفض الأسعار في السوق الأولية.. وهل انتهى زمن المضاربة؟

في كل بيت مصري، تتردد هذه الأسئلة: هل حان الوقت لشراء عقار؟ هل ستنخفض الأسعار قريبًا؟ وهل انتهى عصر الطفرات السعرية الذي طالما شد الانتباه؟ هذه التساؤلات، التي تشغل بال الكثيرين، وجدت صدى وتوضيحًا مهمًا على هامش فعاليات معرض سيتي سكيب مصر 2025، الحدث العقاري الأبرز في المنطقة. فقد أدلى المهندس فتح الله فوزي، نائب رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين ورئيس لجنة التطوير العقاري، بتصريحات حملت الكثير من الدلالات، ورسمت خريطة واضحة لمستقبل أسعار العقارات في الأجل المنظور، مع تمييز دقيق بين سوقين قد يختلف مسارهما بشكل جذري.

لنكن واضحين، المهندس فوزي أشار بوضوح إلى أن الوحدات المطروحة من شركات التطوير العقاري، أو ما نطلق عليه “السوق الأولية”، لن تشهد تراجعًا في أسعارها. لكنه في المقابل، لم يستبعد أن تشهد “السوق الثانوية” – تلك التي يتم فيها إعادة بيع الوحدات من قِبل الأفراد – بعض الانخفاض. فلماذا هذا التمايز؟ وما هي العوامل التي تدفع بهذه التوقعات؟

القصة تبدأ من حيث لا يرى المستهلك العادي عادةً، من خلف الكواليس، في عصب التكاليف التشغيلية. شركات التطوير العقاري، بطبيعتها، تبيع وحدات تُسلم بعد سنوات من التعاقد، أربع سنوات في المتوسط. خلال هذه الفترة، من يستطيع أن يضمن استقرار تكاليف المواد الخام؟ أسعار مواد البناء، المحروقات، وحتى الكهرباء، كلها عناصر متغيرة ومتقلبة. فلو ارتفعت هذه التكاليف، ألا يبدو منطقيًا أن تُترجم هذه الزيادات في السعر النهائي للوحدة؟ يعني بصراحة كده، المطوّر مش هيقدر يسلم لك بسعر أقل من التكلفة، وإلا هيخسر، ودي معادلة اقتصادية بسيطة.

ولنتعمق أكثر في هيكل التكلفة. أشار فوزي إلى أن ثمن الأرض يمثل ما يقرب من 20% من إجمالي سعر الوحدة. وخلال الفترة الماضية، شهدت أسعار الأراضي ارتفاعًا غير مسبوق، الأمر الذي انعكس حتمًا على التكلفة النهائية للمشاريع. أضف إلى ذلك، وربما هذا هو العامل الأكثر إثارة للدهشة، أن تكلفة التمويل يمكن أن تصل إلى 50% من سعر الوحدة! نعم، خمسون بالمئة، وهذا رقم ضخم جدًا. هذا الارتفاع الصاروخي في تكلفة التمويل ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة مباشرة لغياب منظومة تمويل عقاري قوية وفعالة في السوق المصرية. وهذا الفراغ هو ما يدفع المطورين لتقديم تسهيلات سداد تمتد لأعوام طويلة، تصل أحيانًا إلى 12 أو 14 سنة، ليتمكنوا من بيع وحداتهم. يعني المطور بيشيل هو جزء كبير من عبء التمويل عشان يقدر يبيع، وده طبعًا بيزود التكلفة الإجمالية عليه.

ورغم هذه التحديات، يظل هامش الربح لشركات التطوير العقاري يتراوح حاليًا بين 25 و30%. وهو ما يعكس، في جزء منه، التكلفة العالية للمخاطر والتمويل التي تتحملها هذه الشركات في ظل بيئة اقتصادية متغيرة.

لكن ماذا عن الطلب في السوق؟ هل هو كافٍ لاستيعاب كل هذه المشاريع؟ هنا، يقدم المهندس فوزي رؤية مهمة: الدولة تستحوذ على 90% من طلبات السكن من خلال مشاريع الإسكان الاجتماعي والمتوسط. هذا يعني أن المطورين العقاريين يخدمون الشريحة المتبقية التي لا تتجاوز 10% من إجمالي الطلب. هذه النسبة الصغيرة تدفع الشركات نحو التنافسية والإبداع في مشروعاتها لتلبية احتياجات هذه الشريحة المحددة.

أحد أبرز التحولات التي رصدها فوزي هي اختفاء المضاربة تمامًا من السوق العقارية. كانت المضاربة في وقت من الأوقات محركًا رئيسيًا لحركة البيع والشراء، حيث يشتري البعض بغرض إعادة البيع لتحقيق أرباح سريعة. ولكن مع استقرار سعر الدولار، وهي نقطة محورية للغاية، خرج كل من كان يضارب من السوق. السؤال هنا: من هم المشترون الحاليون إذًا؟ الإجابة واضحة: إما المصريون المقيمون بالخارج الذين يرون في العقار المصري استثمارًا آمنًا وجاذبًا، أو راغبو السكن الفعليون، الذين يشترون ليعيشوا لا ليبيعوا. هذا التحول يعكس نضوجًا أكبر للسوق، وربما استقرارًا على المدى الطويل.

وفي ختام حديثه، وجه المهندس فوزي دعوة مهمة، مؤكدًا أن السوق العقارية في الوقت الراهن في أمس الحاجة إلى إطار تنظيمي واضح ومحدد. هذا الإطار ليس ترفًا، بل ضرورة لضمان حقوق العملاء وتعزيز ثقة المستثمرين والمستهلكين على حد سواء. هل يمكننا تصور سوق عقارية مزدهرة ومستقرة دون قواعد واضحة تحمي جميع الأطراف؟ بالتأكيد لا. إن تنظيم السوق يساهم بشكل فعال في رفع جودتها وجاذبيتها، ويضمن استدامتها.

جاءت هذه التصريحات القيمة خلال فعاليات معرض سيتي سكيب مصر 2025 في نسخته الرابعة عشرة، الذي انطلقت فعالياته بالعاصمة الإدارية الجديدة ويستمر حتى 27 سبتمبر الجاري. المعرض، الذي يُعد منصة رائدة لتجمع كبار المطورين والمستثمرين، يُقام تحت رعاية الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، ووزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، ما يؤكد أهميته ودوره المحوري في دفع عجلة التطوير العقاري بمصر.

إذًا، الرسالة واضحة: في ظل المعطيات الحالية، لا تنتظروا انخفاضًا في أسعار العقارات الجديدة من المطورين. لكن، ربما حان الوقت لإعادة تقييم الفرص في السوق الثانوية. الأهم من كل ذلك، أن المستهلك أصبح بحاجة إلى فهم أعمق لآليات السوق، وأن صناع القرار مدعوون لتفعيل الأطر التنظيمية التي تحمي حقوق الجميع. فهل سنرى سوقًا عقارية أكثر شفافية وعدالة في المستقبل القريب؟ الإجابة تتوقف على مدى سرعة استجابتنا لهذه الدعوات الملحة.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.