وول ستريت في نشوة: كيف اجتمعت تخفيضات الفائدة وصفقات التكنولوجيا لترسم الفرحة على وجوه المستثمرين؟
تخيل أنك تشاهد مباراة مهمة، والجمهور على أطراف مقاعده، وفجأة يأتي هدف حاسم في اللحظات الأخيرة يقلب الطاولة ويشعل الأجواء في الملعب. هذا بالضبط ما حدث في وول ستريت يوم الخميس! لم يكن مجرد يوم تداول عادي، بل كان احتفالاً صاخباً بالنمو، حيث استفاقت المؤشرات الأمريكية الرئيسية على وقع مكاسب جماعية مثيرة، وكأنها تعلن عن بداية مرحلة جديدة من التفاؤل الاقتصادي. ناس كتير كانت قاعدة بتقول: “يا ترى إيه اللي بيحصل ده؟ هل دي مجرد فقاعة ولا بداية صعود حقيقي؟”.
الفيدرالي يلقي بكرة الثلج:
الشرارة الأولى، والسبب الأكبر لهذا الانطلاق، جاء من القرار المرتقب لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. فقد أقدم البنك المركزي يوم الأربعاء على خطوة جريئة ومحسوبة: خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. هذا الإجراء، الذي كان متوقعاً على نطاق واسع، لم يأتِ من فراغ؛ فالفيدرالي يراقب عن كثب مؤشرات الاقتصاد، ويبدو أن تراجع سوق العمل – كما أكد رئيس المجلس جيروم باول – بات أولوية قصوى. وبصراحة، لما تسمع رئيس الفيدرالي بيقول إنه ممكن يكون فيه تخفيضات تانية في اجتماعات جاية، ده بيدي إشارة قوية للمستثمرين إن فيه دعم قادم للاقتصاد، صح؟ هذه التصريحات، بالإضافة إلى خفض الفائدة، خلقت مناخاً من الثقة، مما شجع المستثمرين على ضخ المزيد من الأموال في السوق.
رقصات قياسية للمؤشرات الكبرى:
مع هذه الأنباء المشجعة، لم تتأخر ردة فعل السوق. مؤشر داو جونز الصناعي، عصب الاقتصاد الأمريكي، ارتفع بنسبة 0.3%، ما يعادل 124 نقطة، ليغلق عند مستوى قياسي جديد لم يبلغه من قبل، وهو 46142 نقطة. أما ناسداك المركب، ملاذ شركات التكنولوجيا والابتكار، فقد قفز بنسبة 0.9%، محطماً حاجز 22400 نقطة لأول مرة في تاريخه. وحتى مؤشر S&P500، الذي يعكس الصحة العامة للسوق ويعتبر مقياساً واسعاً للأداء الاقتصادي، لم يتخلف عن الركب، مسجلاً ارتفاعاً بنسبة 0.5% ليختتم جلسته عند مستوى قياسي آخر بلغ 6631 نقطة. تحس إنها منافسة مين يقدر يكسر أرقام قياسية أكتر! هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي انعكاس لتفاؤل عميق بجدارة الاقتصاد وقدرته على التعافي والنمو.
“راسل 2000” نجم الشركات الصغيرة:
ولكن، ربما كان نجم العرض الحقيقي هو مؤشر Russell 2000، الذي يضم الشركات الصغيرة والمتوسطة. هذا المؤشر شهد قفزة مذهلة بلغت 2.5%، محققاً أعلى إغلاق يومي في تاريخه. لماذا كل هذا الاهتمام بالشركات الصغيرة بالذات؟ ببساطة، عندما تنخفض أسعار الفائدة، يصبح الاقتراض أقل تكلفة، وهذا يصب مباشرة في مصلحة الشركات الأصغر التي تعتمد بشكل كبير على التمويل لتوسيع عملياتها، وغالباً ما تكون أكثر حساسية للتغيرات في تكلفة رأس المال. يعني زي ما تكون بتدي “دوبل كيك” للشركات دي عشان تجري أسرع وتتوسع بسهولة أكبر، مما يزيد من جاذبيتها للمستثمرين الباحثين عن فرص نمو سريعة.
صفقة “إنفيديا” و”إنتل”: تحالف العمالقة:
وبعيداً عن قرارات الفيدرالي، كان هناك محرك آخر قوي للسوق، قادم من قلب وادي السيليكون: قطاع التكنولوجيا. حيث قفز سهم شركة Intel العملاقة لتصنيع الرقائق الإلكترونية بنسبة 23%، مسجلاً أعلى مكاسب يومية لها منذ عام 1987 – يعني من 38 سنة يا جماعة! أضافت الشركة 26 مليار دولار إلى قيمتها السوقية في يوم واحد، وده رقم مش قليل أبداً وبيوري حجم التأثير. السر وراء هذا الارتفاع الصاروخي؟ إعلان شركة Nvidia، المنافسة والعملاقة الأخرى في عالم الرقائق والذكاء الاصطناعي، عن استثمار ضخم بقيمة 5 مليارات دولار في Intel. هذه الخطوة الاستراتيجية لا تجعل Nvidia واحدة من أكبر المساهمين في Intel فحسب، بحصة تقارب 4% بعد إصدار أسهم جديدة، بل ترسم ملامح تحالف قوي قد يعيد تشكيل مستقبل صناعة الرقائق. هل كنا نشهد ولادة عملاق جديد أم إنقاذاً لآخر؟ هذه الشراكة تعزز من قدرة Intel على المنافسة في سوق الرقائق شديد التنافسية، خاصة مع تزايد الطلب على شرائح الذكاء الاصطناعي.
العملات المشفرة تلحق بالركب:
ولم تقتصر الأجواء الاحتفالية على الأسهم التقليدية فقط. ففي جلسة الأربعاء، وقبيل الانطلاق الكبير ليوم الخميس، شهدت أسهم الشركات المرتبطة بالعملات المشفرة مكاسب قوية. ارتفع سهم Coinbase، منصة تداول العملات الرقمية الشهيرة، بنسبة 7%، مسجلاً أعلى مكاسب يومية في ثلاثة أشهر. وتبعه سهم Mara بارتفاع 7%، ليصل إلى أعلى مستوياته في شهرين. أما سهم Cleanspark، فقد قفز بنسبة 18% ليحقق أعلى إغلاق يومي منذ بداية العام. هذه المكاسب جاءت متزامنة مع خفض الفائدة من الفيدرالي، والأهم من ذلك، بعد موافقة هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) على تعديلات تسهّل إدراج صناديق المؤشرات المتداولة للعملات الرقمية. يعني بصراحة، ده كان بمثابة “تصريح مرور” للعملات الرقمية عشان تدخل السوق بشكل أقوى وأوسع وتجذب استثمارات مؤسسية أكبر.
الخاتمة:
إذن، ما الذي يمكننا استخلاصه من هذا اليوم الحافل؟ هل نحن على أعتاب فترة ازدهار اقتصادي جديدة مدفوعة بسياسات نقدية مرنة وتحالفات تكنولوجية غير متوقعة؟ أم أن هذه المكاسب القياسية ما هي إلا مؤشر على تفاؤل حذر قد يتراجع أمام أي رياح معاكسة؟ السؤال هنا ليس فقط عن الأرقام، بل عن الثقة. ثقة المستثمرين في استراتيجية الفيدرالي، وثقة الشركات في قدرتها على النمو والابتكار، وثقتنا جميعاً في قوة السوق وقدرته على التكيف.
هذا اليوم في وول ستريت لم يكن مجرد سلسلة من الأرقام القياسية؛ كان رسالة واضحة بأن السيولة المتوفرة والدعم المركزي، بالإضافة إلى صفقات التكنولوجيا الكبرى، يمكن أن تضخ دماء جديدة في شرايين الأسواق. لكن، هل ستبقى هذه النشوة؟ وهل ستترجم هذه المكاسب إلى تحسن حقيقي ومستدام في حياة الناس العاديين، أم أنها مجرد موجة عابرة يستمتع بها الكبار فقط؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، ولكن ما هو مؤكد أن الخميس الماضي كان يوماً لا يُنسى في تاريخ الأسواق الأمريكية، يوماً أثبتت فيه وول ستريت أن لديها دائماً المزيد لتقدمه من مفاجآت. فهل نشهد بداية حقبة جديدة من التفاؤل، أم أنها مجرد ومضة في بحر التقلبات الاقتصادية؟