في قلب القاهرة، حيث تتشابك آلاف القصص وتتلاحق وتيرة الحياة المتسارعة، غالبًا ما يمر التغيير العمراني دون أن نلمس تفاصيله الدقيقة، أو ندرك أبعاده الحقيقية إلا حينما يطرق بابنا مباشرةً. فهل تخيلت يومًا أن مشروعًا حكوميًا ضخمًا، مصممًا لتسهيل حركة الملايين، قد يفرض إعادة تشكيل لمئات العقارات والأراضي في طريق تحقيق أهدافه؟ هذا بالضبط ما يحدث الآن في حي المرج الصاخب، مع الكشف عن تفاصيل قرار وزاري مصيري بشأن تطوير محور مؤسسة الزكاة.
فقد كشفت “الوقائع المصرية”، تلك الجريدة الرسمية التي تحفظ سجلات الدولة، في عددها رقم 210 الصادر بتاريخ 21 سبتمبر 2025، عن قرار لوزارة التنمية المحلية يحمل الرقم 348 لسنة 2025. والقرار، يا سادة، لا يدور حول مجرد إصلاحات بسيطة أو ترميمات عابرة، بل يتناول قضية بالغة الأهمية: نزع ملكية العقارات والأراضي اللازمة لإنشاء مشروع تطوير محور مؤسسة الزكاة في محافظة القاهرة. يعني ببساطة كده، الدولة هتاخد حتت أرض ومباني معينة عشان تعمل طريق جديد يخدم المصلحة العامة.
ولم يأتِ هذا القرار من فراغ، بل استند إلى سلسلة من التشريعات والقوانين التي تمنح الدولة الحق في ذلك، بالطبع ضمن إطار قانوني واضح. فالنص يشير إلى أن القرار جاء بعد الاطلاع على الدستور المصري – وهو أساس كل تشريع – وعلى القانون رقم 43 لسنة 1979 الخاص بنظام الإدارة المحلية، والذي يحدد صلاحيات الأجهزة المحلية. والأهم من ذلك، استند إلى القانون رقم 10 لسنة 1990، وهو القانون المنظم لعملية نزع ملكية العقارات من الأفراد أو الكيانات الخاصة لصالح “المنفعة العامة”. الأمر ليس عشوائيًا، بل له قواعده ومحدداته.
لكن المحرك الأساسي لهذا الإجراء، النقطة الفاصلة التي اعتبرت المشروع ضرورة ملحة، هي قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3119 لسنة 2023. هذا القرار، الذي نشر بالجريدة الرسمية بتاريخ 10 أغسطس 2023، هو الذي أضفى الطابع الرسمي على مشروع تطوير محور مؤسسة الزكاة بحي المرج، واعتبره “من أعمال المنفعة العامة” لصالح محافظة القاهرة. وهذه ليست سوى المرحلة الأولى، كما يوضح القرار، ضمن خطة أشمل لتطوير سبعة محاور حيوية أخرى في منطقة المرج. تخيلوا حجم المشروع وتأثيره المحتمل على المنطقة بأكملها!
ولكي نفهم بالضبط ما يعنيه هذا، دعونا نلقي نظرة سريعة على جوهر القرار الوزاري، الذي تضمن مادتين رئيسيتين تحددان آلية التنفيذ:
المادة الأولى: أوضحت هذه المادة بشكل لا لبس فيه أن عملية نزع الملكية ستطال العقارات والأراضي التي صدر بشأنها قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 3119 لسنة 2023. ولم تكتفِ بذلك، بل أشارت إلى أن تفاصيل هذه العقارات محددة بالكامل وموضحة في “الكشوف المرفقة” بالقرار. يعني مفيش حاجة بالبركة كده، كل حاجة محسوبة وموثقة في لستة واضحة. هذه الشفافية القانونية ضرورية لضمان حقوق الجميع.
المادة الثانية: تناولت هذه المادة الجوانب الإجرائية والقانونية لتفعيل القرار. فقد نصت على ضرورة نشر هذا القرار في “الوقائع المصرية” – وقد حدث بالفعل – وأن يصبح ساري المفعول في اليوم التالي لتاريخ نشره. وبعد ذلك، تُستكمل الإجراءات بشهر القرار بطريق الإيداع في مكتب الشهر العقاري المختص. هذه الخطوات الرسمية تضمن أن يصبح القرار جزءًا لا يتجزأ من السجل العقاري، مما يمنع أي التباسات مستقبلية حول ملكية هذه الأراضي والعقارات.
لماذا كل هذا التركيز على تطوير محاور المرج؟ المرج، يا صديقي، ليست مجرد منطقة سكنية عادية. إنها واحدة من أكبر وأكثر مناطق القاهرة كثافة سكانية وحركة مرورية. أي شخص مر من هناك يعرف مدى الاختناقات المرورية والتحديات التي يواجهها يوميًا سواء في الذهاب للعمل أو العودة للمنزل. لذا، فإن تطوير شبكة المحاور هناك ليس رفاهية، بل أصبح ضرورة ملحة لتخفيف الضغط وتحسين جودة الحياة للملايين. الأمر أشبه بالشرايين التي تحتاج إلى التوسيع والتجديد لضمان تدفق الحياة بسلاسة في جسد المدينة.
ولكن وراء كل مشروع تنموي بهذا الحجم، تكمن دائمًا تساؤلات ومخاوف مشروعة. نزع الملكية للمنفعة العامة، رغم كونه إجراءً قانونيًا مشروعًا، إلا أنه غالبًا ما يثير حساسية بالغة لدى الأفراد المتأثرين. فالمنازل ليست مجرد جدران وأسقف، والأراضي ليست مجرد مساحات. إنها ذكريات وتاريخ وأرزاق وعلاقات اجتماعية. ولهذا، فإن الحديث عن “تعويض عادل” يصبح نقطة محورية في هذه العمليات. هل سيلقى أصحاب العقارات تعويضًا مناسبًا يضمن لهم حياة كريمة بديلة؟ وكيف ستتعامل الحكومة مع الجوانب الإنسانية والاجتماعية لهذه التغييرات الجذرية؟ هذه أسئلة مشروعة ينتظر الجميع إجاباتها.
وفي نهاية المطاف، يبقى مشروع محور مؤسسة الزكاة، كغيره من مشاريع التطوير العمراني في مصر، شهادة على طموح الدولة نحو مستقبل أفضل وبنية تحتية أكثر كفاءة. إنه جزء من رؤية أوسع لتحديث القاهرة وتحويلها إلى مدينة أكثر استجابة لتحديات القرن الحادي والعشرين. لكنه في الوقت نفسه، تذكير دائم بالتوازن الدقيق الذي يجب الحفاظ عليه بين المصلحة العامة وحقوق الأفراد. فالمدن تُبنى بالحجر والخرسانة، ولكن روحها الحقيقية تتجسد في قصص قاطنيها. فهل ننجح في بناء مستقبل مشرق لا يترك أحدًا خلف الركب، أم أن ثمن التقدم سيكون باهظًا على البعض؟ هذا هو السؤال الذي سيكشفه الزمن، وتفاصيل الأيام القادمة. يعني بصراحة كده، الموضوع مش سهل أبداً، ودايماً فيه وجع دماغ للناس اللي بتتبنى لهم أو بتتشال منهم، بس في نفس الوقت البلد محتاجة تمشي لقدام وتتطور.