هل نحن على أعتاب تحول تاريخي في سوق العقارات المصري؟ سؤال يتردد صداه بقوة في الأوساط الاقتصادية، وإجاباته لا تأتي من مجرد تكهنات، بل من رؤى خبيرة لرواد هذا القطاع. المهندسة عبير عصام رفعت، اسم محفور بعمق في تاريخ التطوير العقاري المصري، لا تكتفي بتحليل المشهد الراهن، بل ترسم خريطة طريق لمستقبل السوق حتى عام 2030، مستقبل يبدو واعدًا بقدر ما هو مليء بالتحديات.

عبير عصام، عضو مجلس إدارة غرفة التطوير العقاري، رحلتها في هذا المجال بدأت منذ عام 1995، أي ما يقرب من ثلاثة عقود من العمل الدؤوب. تخيلوا معي، يا جماعة، مسيرة انطلقت من تشطيبات المكاتب الصغيرة في 6 أكتوبر لتتسع بمرور السنوات، لتشمل مشاريع قومية ضخمة ومجمعات سكنية متكاملة. بدأت بتأسيس شركة “إيجي تريد” في مجال التشطيبات، ثم لم تلبث أن اقتحمت عالم الإنشاءات ببناء عمارات وفيلات. ومنذ عام 2000، تحولت استراتيجيتها نحو الشراكات الواسعة، لتصبح ممولًا ومسوقًا لمشاريع متكاملة، لعل أبرزها “العبير جاردن” في 6 أكتوبر، الذي ضم 2000 وحدة سكنية وتم تسليمه بنجاح عام 2011. لم تتوقف عبير عصام عند هذا الحد، بل استحوذت على شركة “مينا لإسكان المستقبل” عام 2013/2014، مما فتح لها آفاقًا لتنفيذ المزيد من الوحدات، ثم اتجهت للشراكة مع النقابات، كـ”نقابة المهن التمثيلية” في مشروع عملاق بحدائق أكتوبر. هذه السيدة، بصراحة كده، عندها رؤية لا تتوقف!

لم يقتصر طموحها على السكن، فمنذ عام 2008، اتخذت قرارًا حاسمًا بتنويع استثماراتها، لتقتحم عالم المجمعات التجارية والفندقية. ستة مولات ضخمة، أربعة منها في حدائق أكتوبر واثنان في التوسعات الشمالية لمدينة 6 أكتوبر، اثنان منها تم افتتاحهما بالفعل والبقية قيد التنفيذ، دليل على جرأتها وحسها التجاري. وحتى السياحة كان لها نصيب، فمطعم “بيت ورد” الفخم على النيل بالأقصر يضيف بعدًا آخر لشركتها. هذا التنوع مش مجرد استراتيجية، ده فكر استثماري متكامل.

لكن ما الذي ينتظر السوق العقاري المصري خلال السنوات القادمة؟ عبير عصام تتوقع “تغييرًا جذريًا” يبدأ من العام المقبل وحتى عام 2030. وهي ترى أن السوق، بعد فترة من التقلبات نتيجة عوامل خارجية مثل ارتفاع سعر الصرف وأسعار الفائدة والأحداث العالمية، قد وصل إلى مرحلة “الاستقرار”. وكما تقول دائمًا، “العقار لا يمرض ولا يموت”، فهو يبقى الملاذ الآمن للاستثمار، خصوصًا مع استقرار سعر الدولار والانخفاض التدريجي للفوائد البنكية.

ترى المهندسة أن هذا الاستقرار سيفتح الباب أمام تحالفات كبرى بين الكيانات الفاعلة، وفي المقابل، سيشهد السوق خروج الشركات “الدخيلة” غير القادرة على مواجهة التحديات أو تلك التي بدأت مشاريعها بدون دراسات جدوى أو ملاءة مالية، والتي للأسف، خلقت نوعًا من عدم الثقة في القطاع. يا جماعة، ما ينفعش أي حد يخش السوق ده كده بدون خبرة أو رأس مال، العقار ده صناعة بتحتاج ناس فاهمة بجد.

الأمر لا يتوقف عند التحالفات المحلية، بل تتوقع جذب المزيد من الاستثمارات الخليجية، مدعومة بالمشاريع القومية العملاقة التي نفذتها الدولة وصفقات كبرى مثل “رأس الحكمة” و”إعمار والشربتلي” في البحر الأحمر، والتي أثبتت جاذبية السوق المصري. هل تستوعبون حجم هذا التغير؟ إنها فرص ذهبية تنتظر من يقتنصها.

لكن السوق ليس ورديًا بالكامل. تشير عبير عصام إلى تحديات كبيرة تواجه المطورين، منها توفير السيولة وزيادة سنوات التقسيط، مما يحول الشركات إلى ما يشبه البنوك، ويجعلها تعاني من تعثر بعض العملاء في السداد، وهو ما يؤثر على قدرتها على تمويل الإنشاءات. بالإضافة إلى ذلك، هناك تحدي توفير الأراضي المميزة والمرفقة، وضرورة وجود وقفة جادة للتحكم في أسعار مواد البناء المتقلبة، والمرونة في مواعيد التسليم لمواجهة الظروف الطارئة.

أحد أبرز الملفات التي توليها المهندسة عبير اهتمامًا خاصًا هو “الإسكان منخفض التكلفة”. فبعد قانون الإيجار القديم، أصبح السوق متعطشًا لوحدات سكنية تلبي احتياجات متوسطي ومحدودي الدخل. وقد تقدمت عبير عصام باقتراح لغرفة التطوير العقاري وهيئة المجتمعات العمرانية للمشاركة في بناء هذه الوحدات. الحديث يدور حول مقترحات عديدة، منها تقسيم المشروع بنسبة 75% للمطور و25% للدولة، أو حتى منح المطور أرضًا مجانية مقابل إنشاء وحدات لمحدودي الدخل، مع إمكانية منحه قطع أراضٍ استثمارية في مناطق مميزة. المهم في كل ده، إننا نلاقي حل سريع ومنظم، لأن المشكلة دي لو ماتعالجتش بسرعة، حنبقى في ورطة كبيرة، خصوصًا مع الأسر اللي حتحتاج بدائل سكنية بعد انتهاء مهل قانون الإيجار القديم. غرفة التطوير العقاري وهيئة المجتمعات العمرانية في جلسات مستمرة، وده شيء مبشر.

وبعيدًا عن الأرقام والتحليلات، تؤمن عبير عصام بأن “العقار صناعة” بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وليس مجرد تجارة. ومن هذا المنطلق، امتد دورها ليصبح رائدًا في مجال الخدمة المجتمعية من خلال “مدرسة عمار للتكنولوجيا التطبيقية”. تخيلوا، يا جماعة، مدرسة متخصصة لتعليم المهن العقارية، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني. وقد احتفلت المدرسة مؤخرًا بتخريج أول دفعة من طلابها، 150 طالبًا منهم 100 في أقسام العمارة والعقار و50 في المجال الفندقي، تم تسليمهم عقود عمل فورية في كبرى الفنادق والشركات. المدرسة لا تكتفي بالتعليم النظري، بل توفر تدريبًا عمليًا مكثفًا، مثل التعاقد مع شركة “جروهي” الألمانية لتدريب الطلاب على السباكة والصحي بشهادات معتمدة. هذا بالإضافة إلى تبني 20 طالبًا متفوقًا في التعليم الفني لإكمال دراستهم الجامعية. إنها دعوة صريحة لكل الشركات لتبني خدمة مجتمعية هادفة، تخلق جيلًا ماهرًا ومحترفًا يخدم الصناعة والمجتمع.

في الختام، يبدو أن سوق العقارات المصري يقف على أعتاب مرحلة محورية. مرحلة تتطلب رؤية ثاقبة، وقدرة على التكيف، وتعاونًا بين القطاعين العام والخاص. هل سنشهد بالفعل طفرة عقارية غير مسبوقة؟ وهل ستنجح المقترحات الجريئة في توفير سكن كريم للجميع؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابات، لكن المؤكد أن صوت عبير عصام وأمثالها من الرواد سيظل يمثل بوصلة هامة لتحديد اتجاه هذا القطاع الحيوي في قلب الاقتصاد المصري. إنها ليست مجرد توقعات، بل هي دعوة للعمل الجاد والابتكار من أجل مستقبل أفضل.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.