في زمن باتت فيه الشهرة تُصنع بضغطة زر وتُعرض على شاشات الهواتف الذكية، تبرز قصص تحمل في طياتها وجهًا آخر لهذه العملة اللامعة. هنا، لا يتعلق الأمر فقط بعدد المتابعين أو الإعجابات، بل بمساءلة قانونية قد تصل عقوبتها خلف قضبان السجن. ومثل هذه القصص، تجد شخصية “علاء الساحر”، التيك توكر الشهير، نفسه في عين العاصفة القضائية، إذ استكملت محكمة جنح أكتوبر اليوم الثلاثاء فصول محاكمته في قضية هزت أوساط متابعيه والمتفاعلين مع عالمه الافتراضي.

من هو علاء الساحر هذا؟ اسمه أصبح يتردد بين الشباب كمصدر للتسلية والترفيه عبر منصة “تيك توك”، حيث يشاركه الآلاف لحظات من حياته ومقاطعه الطريفة. ببساطة، هو واحد من “البلوجرز” أو “صناع المحتوى” الذين تحولوا إلى نجوم بفضل انتشار الإنترنت. لكن يبدو أن هذه الواجهة البراقة كانت تخفي خلفها أمورًا أكثر تعقيدًا، وأحيانًا، ربما أكثر خطورة من مجرد مقاطع فيديو عابرة.

تتمحور القضية الراهنة حول اتهام وجهه شاب ضده، مفاده أن “الساحر” احتال عليه واستولى منه على مبلغ مالي ليس بالصغير، وصل إلى ثمانين ألف جنيه مصري. الوعد كان مغريًا: استثمار هذه الأموال في عالم العملات الرقمية المتسارع، مع ضمان أرباح شهرية مجزية. من منا لا يحلم بالثراء السريع؟ خصوصًا عندما يأتي العرض من شخصية لها تأثيرها ومتابعيها، مما يمنحها هالة من المصداقية الزائفة.

لكن، وكما يروي الشاكي، تبددت كل الوعود كفقاعة صابون. فبعد أن تسلم المتهم المبلغ المالي بمدينة 6 أكتوبر، اختفى أثر الأرباح المزعومة، بل ورفض “الساحر” إعادة أصل المبلغ، ليجد الشاب نفسه وقد فقد مدخراته وثقته على حد سواء. يا جماعة، الموضوع ده مش هزار، الفلوس دي تعب وشقا ناس، ولما تروح بالطريقة دي، بتبقى صدمة كبيرة.

لم يكن أمام الشاب المتضرر سوى طرق الأبواب القانونية، فتقدم ببلاغ رسمي إلى مديرية أمن الجيزة، مدعومًا بكل ما يملك من دلائل تثبت الواقعة. على الفور، باشرت الأجهزة الأمنية في الجيزة الإجراءات اللازمة، وتم إحالة علاء الساحر إلى النيابة المختصة التي استجوبته في تفاصيل البلاغ. وبعد التحقيقات الأولية، أحيل الملف برمته إلى المحكمة، التي شهدت اليوم استكمال جلسات المحاكمة، لتحديد مصير التيك توكر. وقد قررت المحكمة في ختام جلسة اليوم حجز القضية للحكم في جلسة الإثنين القادم، في ترقب لما ستسفر عنه الأيام المقبلة من أحكام.

الغريب في الأمر، أن هذه ليست المرة الأولى التي يجد فيها “علاء الساحر” نفسه في مواجهة القانون. فقبل هذه الواقعة، سبق وأن تم القبض عليه، ومعه آخرون، على خلفية حادثة فيديو أثارت جدلاً واسعًا، تضمن احتجاز شخص والتعدي عليه وسحله وتعذيبه داخل أحد العقارات. المشهد كان صادمًا، وطبع في ذاكرة الجمهور صورة مختلفة تمامًا عن صانع المحتوى المرح الذي اعتادوا مشاهدته. ولكن، في تلك الواقعة، أفرجت جهات التحقيق عن البلوجر والمتهمين بعد التصالح بين الأطراف، ليخرج من هذه الأزمة سالماً، وإن كان قد ترك خلفه علامة استفهام كبيرة حول سلوكياته. هل كان هذا التصالح بمثابة ضوء أخضر له لتكرار سلوكيات قد تكون أقرب للنصب والاحتيال؟ ده اللي بيخلي الواحد يفكر بجد.

هل نلوم الشاب الذي وضع ثقته وأمواله في شخصية مشهورة على الإنترنت؟ الواقع أن بريق الاستثمار السريع، خاصة في مجال العملات الرقمية الذي يبدو غامضًا للبعض ومربحًا للغاية للبعض الآخر، يعد فخًا يقع فيه الكثيرون. إنه مثل السراب في صحراء واسعة، يعد بالكثير ولا يوفي بشيء. العروض التي تعد بأرباح خيالية في فترة وجيزة غالبًا ما تكون مؤشرًا واضحًا لعملية احتيال، ولكن الأمل في الثراء يغلب على صوت العقل أحيانًا.

المسؤولية هنا تقع على عاتق الطرفين، نعم. على المستثمر أن يتوخى الحذر ويدقق في الوعود البراقة، وأن يبحث عن قنوات استثمارية موثوقة ومرخصة. لكن، ما لا يمكن إنكاره هو الدور الذي تلعبه هذه الشخصيات المؤثرة. فمع كل متابع جديد، تأتي ثقة جديدة، ومع كل إعجاب، تزداد قوة تأثيرهم. هل من المعقول أن يتم استغلال هذه الثقة في عمليات احتيالية تعرض أموال الناس للخطر؟ الشهرة، في نهاية المطاف، ليست مجرد أضواء وكاميرات، بل هي التزام أخلاقي تجاه جمهور وثق فيك، وتوقع منك الشفافية والنزاهة، على الأقل ألا تستغلهم ماليًا.

بين أروقة المحاكم، تتردد أصداء هذه القصة، لتكون بمثابة جرس إنذار للجميع. قضية علاء الساحر ليست مجرد بلاغ جنائي عادي، بل هي مرآة تعكس تحديات عصرنا الرقمي؛ تحديات الثقة، والبحث عن الثراء السريع، والمسؤولية الملقاة على عاتق من يمتلكون منصات للتأثير. فهل ستكون هذه المحاكمة نقطة تحول حقيقية في مسار العلاقة بين صناع المحتوى وجمهورهم، أم مجرد حلقة أخرى في مسلسل استغلال الشهرة الرقمية؟ الأيام القادمة ستحمل الإجابة، وربما درسًا للجميع.

Leave a Comment

اخبار الاستثمار و المال و الاعمال

COOL M3LOMA

الموقع يوفّر تغطية لحظية لآخر أخبار الاستثمار والأسواق المالية محليًا وعالميًا.

يهتم بمتابعة تحركات الذهب والفوركس والعملات الرقمية مع تحليلات خبراء.

يعتبر منصة شاملة تجمع بين الأخبار، التحليلات، والتقارير الاقتصادية لدعم قرارات المستثمرين.